هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج

اذهب الى الأسفل 
+2
Miss Hannibal
فرح بغداد
6 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
الحنون

نائب المدير
نائب المدير



عدد المساهمات : 2460

برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 19, 2009 5:59 pm

يسلموووووووووووا ياختي
على تميزك
والله روعه الموضوع
ويستحق التثبيت
ويعطيك الف عافيه يارب



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي



عدد المساهمات : 963

برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 19, 2009 6:16 pm


الله يسلمك وان شاء الله بكمل الحلقات الباقية في الوقت القادم باذن الله
ومشكوووووورين عالتثبيت
وياربي يستفاد منه كل مسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي



عدد المساهمات : 963

برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 19, 2009 6:26 pm

الحلقة (11) قصة الدرع المسروقة رووووووووووووعة


كلمة لكل خائن للعدل:
أقول لكل خائن للعدل في بلادنا قول الله تبارك وتعالى {... إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } النساء107، لكل خائن للعدل يستخفي من الناس ولا يستخفي من الله وهو معهم أقول له الظلم ظلمات يوم القيامة، يقول تعالى : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. إلى كل خائن للعدل رد الحقوق إلى أصحابها ثم تب فباب التوبة مفتوح.

الرقيب سبحانه وتعالى:
قصتنا - الدرع المسروقة - تتحدث عن اسم الله الرقيب وفيها نزل جبريل بالوحي، لكن كم من القضايا الآن في المحاكم لن ينزل جبريل فيها بالوحي؟ وهنا أنت وضميرك فالله يراك { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ... }، فإن كنت خادعاً لزوجتك، وإن تبسمت في وجه من تكره، فكن على ثقة بأن سرك وعلانيتك مكشوفان أمام الله تعالى الرقيب، سأعلمك دعاء تقوله قبل أن تنام كل ليلة، قل: الله شاهدي، الله ناظري، الله رقيب علىَّ. هذا الدعاء سيقوم بإيقاظ جهاز الإنذار بداخلك إن كان جهازك وضميرك تعطلا.

عندما كان اسم الله الرقيب حياً في القلوب:
انظر إلى العدل عندما كان اسم الله الرقيب حياً في قلوب المسلمين...
أثناء سير سيدنا عمر بن الخطاب في الطريق وجد راعياً للغنم فطلب منه أن يبيعه واحدة من غنماته، فرفض الغلام وقال له إنها ليست ملكاً له وأنها تعود إلى سيده، فقال له عمر مختبراً: أعطني إياها وأعطيك المال وقل لسيدك أكلها الذئب. فنظر الغلام إلى عمر وقال: الله أكبر، فأين الله؟ فبكى عمر وقال: صدقت.

موقف آخر.. كان سيدنا عمر بن الخطاب ماراً ذات ليلة جوار بيت من بيوت الملسمين فسمع ابنة لبائعة لبن كانت تغش بخلط اللبن بالماء تقول لأمها: يا أمي ألم يقل أمير المؤمنين ألا نخلط اللبن بالماء؟ فقالت الأم: ولكن أمير المؤمنين لا يرانا. فقالت لها ابنتها: إن كان عمر لا يرانا فإن الله يرانا.

كيف أن العدل يبدأ من البيوت:
رجل سوري أُخذ حقه وظُلم، ومن شدة غضبه وآلمه مَرِضَ مْرض الموت، فجاء بابنه وسلمه ورقه وطلب منه أن يسير بجنازته بعد أن يتوفاه الله حتى يصل إلى دكان فلان الذي أخذ حقه فيسلمه الورقة، فنفذ الابن وصية أبيه وإذا بالورقة كُتب فيها: إني ذهبت إلى الله، وهو يعلم ماذا فعلت بي، وهو يراني ويراك، موعدنا يوم القيامة لأسترد حقي.

تزوج رجل على امرأته سراً دون أن يخبرها، وعرفت الزوجة قدراً وقررت أن تصمت حتى لا ينهار بيتها، وبعد وفاة زوجها تغلبت على غيرتها مقابل العدل وأخرجت نصيب الزوجة الثانية من الميراث وطلبت من أولادها أن يسلموها إياه، وكانت المفاجأة أن الزوجة الثانية أخبرتهم أن الرجل طلقها قبل أن يموت بأسبوع.

يا من ظلمتم الناس وأخذتم حقوقهم، يا من غششتم في البضائع، يا من أدخلتم آخرين السجن ظلماً، يا من زورتم، يا من ظلمتم زوجتكم .. العدل يبدأ من البيوت.

القاعدة الأولى للعدل:
باب التوبة مفتوح لكل من ظلم نفسه وخان العدل، يقول تعالى { وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } النساء110، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو آتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا آتيتك بقرابها مغفره".

القاعدة الثانية للعدل:
يقول تعالى في كتابه الكريم { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ...} النساء111، وهذا معناه ألا نقوم بحساب آخرين على ما فعل البعض، فإن كنا نحب الأنصار وسرق أحدهم لا يتحمل الأنصار كلهم النتيجة.

القاعدة الثالثة للعدل
{ وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } النساء112.

الجميل في الأمر أن هذه القصة جاءت في سورة النساء بعد سورتي البقرة وآل عمران، والفكرة أن سورة البقرة تتكلم عن مسؤولية المسلمين عن الأرض، وسورة آل عمران تتحدث عن نموذج لعائلة كانت مسؤولة عن الأرض – مريم وزكريا ويحيي-، وسورة النساء تتحدث عن الضوابط التي من شأنها الحفاظ على أن نكون مسؤولين عن الأرض ولهذا فسورة النساء تتحدث عن كل أنواع العدل، مع الأيتام ومع المستضعفين، وسميت بسورة النساء؛ لأننا إن عدلنا مع زوجاتنا نستطيع أن نعدل مع الباقين على الأرض، كأن رمز العدل مع النساء وأن علينا البدء ببيوتنا.

أهداف قصة اليوم:
1- العدل .. ابدأ بنفسك وبأهلك.
2- اسم الله الرقيب.
3- التوبة ورد الحقوق إلى أصحابها.
4- تحقيق العدل في أنفسنا وبيوتنا يؤدي إلى رؤيته في بلادنا.





رابط تحميل الحلقة:
http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1217.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي



عدد المساهمات : 963

برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 19, 2009 6:31 pm

الحلقة 12 - قصة قارون


رابط تحميل الحلقة:
http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1218.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي



عدد المساهمات : 963

برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 19, 2009 6:35 pm

الحلقة 13 - قصة عزير


مكانة المسجد الأقصى:
قصة اليوم لها علاقة بحب القدس، هل تحبها؟ هل نسيتها؟ هل ما تزال القدس غالية على قلبك؟ يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Frownولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي)، ويقول النبي أيضاً (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فى سواه إلا المسجد الحرام ، فصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة ]فيما سواه[)، يقول تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا...} (الإسراء:1)، وقد سُئِلَ النبي أي المساجد بني أولاً في الأرض؟ قال: المسجد الحرام، قيل: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى.

وقد وقعت حادثة الإسراء والمعراج هناك، عندما صعد النبي على البراق والتقى بالأنبياء جميعاً في حدث لم يسبق له مثيل، وأين التقوا؟ بالمسجد الأقصى! وصلَوا هناك وكان إمامهم النبي– صلى الله عليه وسلم-، هناك حديثٌ في فقه الصلاة يقول: (لا يؤم الرجل في سلطانه، و لا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه)، يفهم من ذلك أن صاحب البيت هو من صلى بالأنبياء إماماً ذلك اليوم –صلى الله عليه وسلم-.

والخلاف حول القدس هو خلاف في الأديان، فهي ترمومتر الأرض، فإن كنت تريد أن تعرف وضع الأرض، وهل يسود بها المساواة أم العنصرية فابحث عن وضع القدس، وإن كنت تريد أن تعرف إن كان يسود الصلاح والخير فانظر لوضع القدس. لقد كان هناك حديثٌ عن القدس رواه النبي وابتسم وهو ينظر إلى السماء، فأصبح ذلك جزء من رواية الحديث، وقد علم نور الدين محمود أستاذ صلاح الدين الأيوبي ذلك الحديث، وابتسم، وعندما عَلَّمَ صلاح الدين الحديث لغيره لم يبتسم، فقال له: أكمل الحديث، فقال: كيف أبتسم والمسجد الأقصى أسير. ؟!

قصة سيدنا عُزَيّر:
قال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ...} (البقرة:259). قصة اليوم تحكي فكرة أساسية وهي الأمل، هل من الممكن أن تحيا وتنهض القدس من جديد؟ وهل من الممكن أن نحيا ونحن بلا تعليم ولا رسالة وبلا تمسك جيد بالدين؟ وهل من الممكن أن تحيا بلادنا من جديد؟ نعم بالأمل، هذه القصة تدعونا إلى الثقة بالله، فقد سأل عُزَيّرٌ اللهَ إن كان من الممكن إحياء هذه الأرض، فأراه الله ذلك في نفسه، فإذا أحييتك من جديد إذاً من الممكن أن تحيا هذه الأرض أيضاً،. إن الإنسان مثله كمثل الدول فكلاهما له منحنيات، حيث أن الإنسان يبدأ طفلاً ويكبر حتى يصل لقمة قوته وعقله ونضجه ثم يصبح كهلاً وكذلك الأمم، قال تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً...} (الروم:54).

لماذا أمات الله عُزَيّراً مئة سنة؟
ربما لأن على رأس كل مائة سنة تسيطر على العالم مجموعة أفكار، مرة كانت الشيوعية، ومرة كانت الرأسمالية،...إلخ، ويعيش الناس أسرى لهذه الأفكار، لتحكم حياتهم فلا يستطيعون أن ينظروا خارج هذا الإطار، تنتهي المائة سنة لتظهر فكرة جديدة، فينظر الناس إلى الفكرة القديمة على أنها أسلوب قديم وتصبح الفكرة الجديدة هي الأفضل، فيتبنوا الفكرة الجديدة لمدة مائة سنة أخرى، ولهذا الكلام دلائل فقد قال النبي– صلى الله عليه وسلم- (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)، أتدرون يا جماعة أرى الأفكار على وشك أن تنتهي، وهناك من سيأتي بأفكار جديدة، فمن يا ترى سيكون صاحب هذه الأفكار؟ إن هذه الأفكار أقوى من المال بل هي من يصنع المال، ولكن المال لا يصنع الأفكار، وهل يا ترى سيكون للمسلمين دور؟ هل يا ترى سيكون المسلمون مجرد تابعين لهذه الأفكار، أم سيكونون هم أصحاب الأفكار التي تُقَدَم للبشرية؟ الفكرة أن الأرض تغير جلدها كل مائة سنة، فيا مسلمين تعلَموا وعلِموا أولادكم جيداً فنحن على أبواب عالم جديد، ومن سيكون له دور كبير هو صاحب مستوى التعليم الجيد وصاحب الأفكار الجديدة.

توقيت إحياء سيدنا عُزَيّر:
قال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ...} (البقرة: 259)، لنربط كلمة "ثم بعثه" هذه بالآية {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ...} (البقرة: 255)، واربطها بإحياء القدس، فبعد مرور المائة عام كان بُختُنصر قد مات، وبدأ أهل القدس يتحررون فأرادوا أن يعودوا إلى بلدهم، وعندما دخلوا القدس وجدوا المدينة مدمرة فيما عدا محاولة لبناء بيت، وهي التي كانت تخص عُزَيّر، فتركوه كأثر، وعمروا القدس، ولكن للأسف لم يكن لديهم من يحفظ التوراة أو يعلمهم شئون دينهم، فقد أحرق بُختُنصر التوراة، وكان هذا هو التوقيت المناسب لعودة عُزَيّر وليس من مائة عام، ربما لهذا أخره الله لأن هذا هو الوقت المناسب، فليس دور عُزَيّرٌ أن يبني البيوت ولكن أن يعلم الناس، ولكن لم يكن هناك من أناس عندئذٍ فأماته الله مائة عام ليصبح آية في الإصرار والأمل والثقة بالله، هذا هو ترتيب الله العادل بالكون.

نزول عُزَيّرٌ الى القدس:
استيقظ عُزَيّرٌ ونزل إلى القدس وأخبرهم بما حدث له، فلم يخجل ولم يخف، كذلك كما فعل النبي– صلى الله عليه وسلم- في حادثة الإسراء والمعراج، من يقف إلى جانب الحق فليس عليه أن يخاف! لا تخجلي من حجابك فلا خجل من الحق! أخبرهم بشخصيته وبما حدث له، ربما ضحكوا في البداية ولكن عندما أخبرهم بأن آخر ما فعله كان محاولة بناء بيت، فطلبوا أن يصف لهم ما بناه، فإذا هو البناء الذي وجدوه مبنياً فتركوه أثراً، أخبروه بأن هذا الدليل لا يكفي، وبأن عُزَيّراً كان يحفظ التوراة، وقال أحدهم أن بُختُنصر عندما دخل القدس كان لدى أجداد هذا الشخص نسخة من التوراة ملقاة لديهم، فأحضروها وأمروا عُزَيّراً أن يتلو التوراة ففعل فصدّق الناس، فبقي فيهم مدة سنة كما كان يرغب وعمل على أن يصلح الناس بها وأوفى بوعده لله. لو وعدت الله شيئاً في رمضان كأن تقلع عن شرب السجائر أو أن ترتدي الحجاب أو أن تؤدي رسالة ما فإياك ألا تفي بوعدك {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ{75} * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ{76} * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ...{77} *} (التوبة:75-77).



رابط تحميل الحلقة:

http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1219.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي



عدد المساهمات : 963

برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 19, 2009 6:42 pm

الحلقة 14 - قصة بلعام بن باعوراء


رابط تحميل الحلقة....
http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1220.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي



عدد المساهمات : 963

برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 19, 2009 6:45 pm

الحلقة (15) كعب بن مالك


سؤال مهم:
ماذا يحدث لو عاش كل فرد لمشروعه الشخصي ونسي احتياجات الوطن؟ يحدث أشياء كثيرة وإليكم أمثلة حقيقية على ذلك، ومن الجرائد:
1- تُفَاجَأ بأن هناك من يبيع لحم الحَمير ويُطعمه الناس.
2- شخص يستورد أغذية فاسدة، فيتم إيقافها في الجمارك ويُمنع دخولها، وتُرمى في المزابل، فيقوم بإعادة تعبئتها من هذه المزابل ويُطْعِمُها الناسَ.
3- شخص يشتري صفقة محابس غاز من الصين، وهي غير مطابقة للمواصفات، فبدلاً من أن تُرمى؛ لأنها غير صالحة يقوم هذا الشخص بتجميعها وإرشاء أي أحد من أجل أخذها وبيعها، فتوضع في البيوت ويحدث تسريب للغاز، فيموت الأطفال، لماذا؟ لأنه عاش لنفسه ولمشروعه الشخصي ونسي الناس.


سبب القصة وأحداثها:
حلقة اليوم مرآة جديدة من القصص القرآني، تواجه هذا المرض، وفي الوقت نفسه هي قصة نبوية. قصة اليوم لشخص اسمه "كعب بن مالك" وهو من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، والقصة حدثت في العام التاسع من الهجرة، قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعام. حدثت القصة بسبب غزوة تبوك؛ وغزوة تبوك من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هناك تحدٍّ يواجه المسلمين، وهو أن الروم كانت تُعدُّ الحشود لتواجه المسلمين وتهاجم المدينة، فكان على المسلمين أن يخرجوا لهم على الفور بجيش قبل أن يدخلوا عليهم. كان التوقيت في غاية الصعوبة ودرجة الحرارة كانت مرتفعة جدًّا، والمشكلة الثانية أن الثمار على الشجر قد نضجت وحان قطافها، وكل صحابي له مشروعه الشخصي - حيث إنهم كانوا مزارعين - وكل واحد منهم بدأ يجهز نفسه ليجمع المحصول، فهو مصدر رزق بالنسبة له، ولكنْ هناك تحدّ يواجه الوطن، والمسافة المطلوبة هي 1000 كيلو متر من المدينة إلى تبوك، بالإضافة إلى قلة المال.
وقد سمى الله سبحانه وتعالى هذه الغزوة في القرآن "العُسرة" لما فيها من مشاق وصعوبات شديدة، فكان كل ثلاثة من الصحابة يتناوبون على ركوب بَعير واحد، فلك أن تتخيل كم كيلو سيمشيه كل منهم؟
القصة موجودة في صحيح البخاري، ونزلت في سورة التوبة لتتحدث عن "كعب بن مالك" وسُميت بسورة التوبة، ولكن التوبة هذه المرة لم تكن من الذنوب فقط بل التوبة من الفردية أيضًا. لو كنت ممن يعيشون لأنفسهم فعليك أن تتوب، ولو كنتِ ممن يعشن من أجل أبناءهن فقط ونسيتي أبناء الأسر الفقيرة من الذين يعيشون في بلدك فأنت أيضًا بحاجة إلى توبة. أنت تحتاج إلى التوبة؛ لأنك عشت لنفسك وما يخصك فقط. ألهذه الدرجة الأمر عظيم عند الله؟ نعم هو كذلك وهذا هو الإسلام.
لم يحضر "كعب بن مالك"غزوة تبوك وتخلف عن الغزوة من أجل مشروعه الخاص، فكان بحاجة إلى توبة. هل لك أن تسأل نفسك كم مرة تخلفت عن أهلك أو عن بلدك أو عن قريتك؟ أنت بحاجة إلى توبة.


أبشر.. تاب الله عليك:
اكتملت الخمسون ليلة، والعقوبة كانت رادعة، والرسالة وصلت، ووضحت معاني هذه العقوبة، فنزلت الآيات في سورة التوبة، من الآية 117 وإلى الآية 121: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ * مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (التوبة: 117 – 121).
نزلت هذه الآيات في صلاة الفجر، وكان "كعب بن مالك" يصلي الفجر على سطح منزله بسبب شدة همه وحزنه، فلما نزلت الآيات بالتوبة، انطلق رجلان – والكلام هنا لكعب بن مالك – رجل ركب فرسًا، ورجل صعد فوق جبل، انظروا إلى هذا المجتمع المتلاحم، يشعر كل واحد منهم بالآخر، أرأيتم أن الفردية مذمومة؟
يقول كعب: "فقام الذي على الجبل فقال: يا كعب بن مالك أبشر، تاب الله عليك، فكان الصوت أسرع من الفرس". يقول كعب: " فكنت على سطح بيتي، فسجدت شكرًا لله عز وجل" فوصل إليه الرجل الذي ركب الفرس، يقول كعب: "والله ما كان عندي إلا عباءة واحدة، فخلعتها وألبست البشير إياها، واستعرت عباءة من أبو قتادة، ثم انطلقت إلى المسجد، يتلقاني الناس في الطريق أفواجًا، يُسلّمون علي – سبحان الله! الآن يلتفون حوله بعد نزول الآيات وبعدما كان مذمومًا. ألهذه الدرجة القرآن عظيم ويغير الناس بهذه الدرجة؟ - ويقولون لي: لِيهنك – مبروك - توبة الله عليك يا كعب، حتى دخلت المسجد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فابتسم إلي كأن وجهه قطعة من القمر، وكنا نعرف إذا ابتسم النبي وهو فرِح كأن وجهه كالقمر" تخيل الآن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقابلك يوم القيامة، أتحب أن يقابلك وهو يبتسم، أم ينظر إليك كمُتخلف؟ الاختيار لك. يقول كعب: "فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: تعال، فقدمت حتى جلست بين يديه، فنظر إليَّ وقال: أبشر يا كعب بخير يومٍ طلع عليك منذ ولدتك أمك، تاب الله عليك" أتعلم ما هو أجمل يوم في حياتك؟ هل هو يوم زواجك؟ أم يوم إنجابك؟ أم يوم نجاحك؟ أم ماذا؟ دعني أقول لك أن أجمل يوم في حياتك يوم أن يتوب الله عليك ويغفر لك.
فقلت: يا رسول الله – والكلام هنا لكعب – إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي بصدقة إلى الله. انظر إلى كعب وقد فهم أن سبب العقوبة هي التخلف عن المجتمع فأراد أن يصلح خطأه بإخراج صدقة من ماله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أمسك عليك بعض مالك، فقلت: يا رسول الله، لا بل كل مالي، إن أُمسك فأُمسك سهمي في خيبر، وإن من توبتي ألا أُحدث يا رسول الله بعد اليوم إلا صدقًا فإنما نجاني الصدق" فنزلت الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة: 119).
ماذا عن المنافقين؟ ماذا حدث لهم؟ نزل فيهم قول الله تبارك وتعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ...} (التوبة:95).
من يعاهد نفسه من الآن أنه لن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ من يواجه نفسه الآن وبتوب إلى الله من الفردية؟ اجلس مع نفسك وصارحها كما علمنا "كعب بن مالك"، وابدأ صفحة جديدة


رابط تحميل الحلقة:
http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1221.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي



عدد المساهمات : 963

برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 19, 2009 6:48 pm

الحلقة 16 - قصة مؤمن ياسين والهدهد والنملة

http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1222.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي



عدد المساهمات : 963

برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 19, 2009 6:50 pm

الحلقة (17) موسى والخضر - الجزء الأول








قصتنا اليوم من أغرب القصص: فهي قصة رجل غامض غريب، فبها لغز، وبالرغم من أن سورة الفاتحة (7 )آيات فقط لا غير، وبالرغم من أن هناك أحكام في القرآن موجودة في (3) آيات فإن قصتنا اليوم جاءت في القرآن في (22) آية، إذًا، فهناك رسالة مهمة، ولكن لا يشعر بها ولا يعيشها أحد. هناك لقاء تاريخي، لقاء في منتهى الغرابة بين نبي من أعظم الأنبياء وعالم غيرعادي، عالم غامض، والغريب أن النبي هو الذي سعى للقائه. قصتنا اليوم هي قصة سيدنا موسى والخضر، واليوم لا نحكي قصة سيدنا موسى وإنما نحكي قصة الخضر.

مكانة العلم قديما وكيف أصبحنا؟
سافر سيدنا موسى آلاف الكيلومترات ليقابل هذا الرجل ويتعلم منه ثلاثة مواضيع ثم يعود. العلم الذي لم يعد موجودا وأهملته الأمة، العلم الذي أصبح العالم العربي ينظر إليه على أنه من الكماليات، أُمة "اقرأ" والتي أول آياتها في قرآنها "اقرأ"، أربعون في المائة من أفرادها لا يعرفون القراءة والكتابة! والمتعلمون لا يهتمون بالقراءة



هدف القصة:
يا شباب، اقرأوا كثيرا، فكفى دخولا على شبكة الإنترنت للعب والدردشة والدخول على المواقع الإباحية، وادخلوا على مواقع مفيدة للتعلم ، يجب أن تتعلموا وتقرأوا كثيرا، فمن خلال قصة موسى أريد أن أقول ثلاث صفات يجب أن تكون موجودة فيمن يريد أن يتعلم كما أريد أن أوضح لكم ست عشرة صفة اختر منها عشر صفات، لو حافظت عليها ستة أشهر أضمن لك النجاح ومستقبلا باهرا لك ولأمتك. فما هي قصة موسى والخضر؟

دليل أهمية قصة موسى والخضر:
أراد الله سبحانه وتعالى لتلك الأمة أن تنهض، فتقول الآيات: { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ ... * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا... } (القصص: 4،5) بماذا ستمن يا الله على تلك الأمة الضعيفة؟ بالعلم أول شئ. تلك القصة لأهميتها موجودة في القرآن وحكاها النبي؛ عندما نجد شيئا مرتين نعرف أن تركيزا غير عادي عليه، مثلها مثل قصة أصحاب الأخدود، فهما القصتان الوحيدتان اللتان تجد النبي يقصهما، وفي الوقت نفسه موجودتان في القرآن بتفاصيل عديدة.

الغموض للانتباه إلى قيمة العلم:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل ينصحهم بالعلم وأهميته، وفي وسط تلك الخطبة قام رجل من بني إسرائيل وقد تأثر بحديثه قائلا: "يا نبي الله، من أعلم أهل الأرض؟" فنظر موسى حوله ونظر إلى قصر فرعون وقال: "أنا"، فعتب الله عليه؛ لأنه لم ينسب العلم إلى الله ولم يقل (الله أعلم)! فماذا سيحدث الآن وهم لا يريدون أن يتعلموا؟ ستحدث قصة مثيرة. حدث يوقظ بني إسرائيل ويلفت انتباههم لأهمية وقيمة العلم، عندما أجاب موسى الرجل وقال: "أنا"، في تلك اللحظة نزل عليه جبريل بعتاب الله عليه وأخبره أن لله عبدا أعلم منه.
تعجب بنو إسرائيل كثيرا لهذا، فكيف يكون هناك من هو أعلم من موسى، وهو كليم الله، والذي ينزل عليه التوراة؟ وهناك ما سيجذب انتباههم أكثر للعلم بالتشويق؛ لأنهم قوم جدل لأن الكلام النظري لم يؤتِ بثماره معهم، ثم قال له جبريل: إن لله عبدا عند مجمع البحرين اذهب وتعلم منه. أين مجمع البحرين؟ لا يوجد له في الخريطة إلا منطقتين: إما رأس محمد بسيناء، أو التقاء النيل الأبيض مع النيل الأزرق بالسودان، فاتعب يا موسى وسافر للبحث، فالعلم يحتاج إلى تعب، وبدأت الأحاديث الجانبية لبني إسرائيل وسؤالهم عن تلك القصة الغامضة، فموسى من المحتمل أن يسافر للبحث، وهو حتى لا يعرف أي منطقة، سيبحث في مصر من الشمال للجنوب، وفي هذا دليل على قيمة العلم وأنه غالٍ. تخيل أن كل هذا في ديننا والأمة أغلبها لا يقرأ! فقال موسى: " يا رب، دلني عليه"، حيث إن الرحلة غامضة، فقال: " يا موسى احمل حوتا مملحا، وضعه في متكل، واحمله، وسر به إلى مجمع البحرين، ستجد الرجل". استخدم الله مع بني إسرائيل التشويق، فهذه الطريقة المفتقدة الآن في العالم العربي موجودة في القرآن.

لماذا لم يأخذ جبريل موسى مباشرة إلى الرجل؟ لأن هذا هو حال العلم اليوم وهو لا يؤدي إلى النجاح، يجب أن يتعب موسى ليُظهر للأمة أهمية العلم، فكيف يخرج بعض الناس أولادهم من المدارس؟ يا شباب، هل ذهبتم إلى أي قرية لتعلموا أبناءها؟ وأنت يا متعلم، هل أنت متعلم بحق أم تبحث فقط عن الشهادة والدرجات؟ وأنتم يا آباء ويا أمهات، أين التشويق لتحببوا أولادكم في العلم؟ من السهل أن تأخذ أولادك إلى المدرسة، ولكن هل تستطيع أن تجعلهم يعشقون العلم؟ الهدف من قصة اليوم هو أن يصل إليك أنك لو كنت تحب الله يجب أن تعشق العلم.


صفات من يرغب بالتعلم:
هناك ثلاث صفات يجب أن تكون فيمن يرغب بالتعلم: الصفة الأولى، إصرار وعزيمة وصبر شديد على التعلم. الصفة الثانية، أدب وتواضع مع من ستتعلم منه. الصفة الثالثة، أن ترغب بتعلم كل ما هو مفيد. والثلاث صفات موجودة بالقصة. بالنسبة للصفة الأولى: انظر للآية { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا } (الكهف60)، و(الحقبة) خمسة وعشرون عاما، أتلاحظ الاهتمام بالعلم؟ فموسى لا يعرف حتى نوعية العلم الذي سيذهب للحصول عليه لكن أترى الإصرار على التعلم؟

قيمة الإصرار على العلم:
ذهب شاب إلى حكيم وقال له: " أريد أن أتعلم كل ما تعرفه". قال له الحكيم: " أصادق أنت؟"، قال: "نعم". قال: "فاتبعني إلى النهر"، ثم طلب منه الحكيم أن ينظر إلى صفحة الماء، قال الشاب: لا أرى شيئا، فطلب منه الحكيم أن يخفض رأسه فأخفضها، فأمسك الحكيم برأس الشاب وأنزلها في الماء ثم قال له: ما الشيء الذي كنت ترغب به وأنت قريب من الغرق؟ قال الشاب: الهواء. فقال له الحكيم: لو أن رغبتك في الحصول على العلم مثل رغبتك في الحصول على الهواء عندها فقط سوف أعلمك. يقول الله سبحانه وتعالى {... وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا } (طه114)، نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الخمسين من عمره، يجب ألا نشبع من العلم وأن نطلب المزيد.

قيمة العلم وطلبته والمعلمون:
انظر إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم " فضل العالم على العابد كفضلي على أبنائكم". وانظر لحديث آخر "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون لمعلم الناس الخير"، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم " من سلك طريقا يبتغي فيه علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة". والحديث الشريف "وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع". فطالب العلم ليس فقط الذي يذاكر، ولكن اقرأ ولو كتابا واحدا في الأسبوع. أيضا حديث النبي صلى الله عليه وسلم " إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء". وحديث النبي صلى الله عليه وسلم " فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب". وهذا الحديث حين يقول رسول الله " إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينار ولكن ورثوا هذا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر".
.

رحلة موسى للبحث عن الخضر:
وانطلق موسى والفتى في رحلتهما للبحث عن العلم، وتصف لنا الآيات تلك الرحلة: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا... } (الكهف:60،61)، ومن شدة التعب والسفر نسي يوشع بن نون، وكان معهما في المكتل طعام للرحلة، والسمكة المشوية ولكنها ليست للأكل وإنما علامة، فماذا حدث؟ وصلا إلى مجمع البحرين حيث من المفترض أن يجدا الخضر، ودب الله سبحانه وتعالى الروح في السمكة وقفزت من المكتل وهما في الطريق، يقول تعالى { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا } (الكهف62)، فلما فتح يوشع بن نون المكتل ليخرج الغذاء لم يجد السمكة، فأحرج وقال: { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ... } (الكهف63)، فالشيطان لا يريد لتلك الرحلة أن تتم؛ لأنه لقاء عالم بنبي وسنتعلم منها كثيرا، ولكن سبحان الله! فالشيطان قد ينسيك ولكن نيتك خير لعله خير.

في النهاية، أريد أن أنصحكم بأن تقوموا بفعل عشرة أشياء مما سأقوله الآن، وأنا أضمن لمن سيفعلها مستقبلا باهرا وغير عادي، وحياة ناجحة ومميزة، العلم يا شباب، فلقد رأيتم كيف حثنا الله ورسوله على العلم!

1- اقرأ كل أسبوع أو أسبوعين كتابا. ( مهم جدا )
2- اقرأ جريدة هادفة كل يوم.
3- اشترك في مجلة ثقافية.
4- سافر لمشاهدة العالم.
5- تعلم حرفة على أيدي حرفي مهما كنت مقتدرا.
6- قم بزيارة آثار ومعالم ومتاحف بلدك مع خبير.
7- رافق إنسانا ناجحا أو صاحب تجربة في الحياة ولو حاملا له حقيبته.
8- شاهد قناة ديسكفري.
9- شاهد نشرة الأخبار يوميا.
10- ابحث عن تاريخ عائلتك.
11- حاول كتابة قصة أو شعر أو أغنية أو أي فكرة.
12- ناقش واسأل في الكلية أو الفصل، سألوا فائزا بجائزة نوبل عن سبب فوزه قال إن والدته كانت تحثه على أن يسأل كل يوم سؤالا مفيدا للأستاذ!
13- العب شطرنج.
14- ادخل على النت على مواقع ثقافية.
15- اذهب لزيارة مكتبة عامة.
16- اعمل في الصيف.
17- تعلم كل ثلاثة أشهر مهارة أو رياضة جديدة.
رابط تحميل الحلقة....:

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ايمي الساحرة

مراقب عامـ
مراقب عامـ
ايمي الساحرة


عدد المساهمات : 2798
العمل/الترفيه : الغناء


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 20, 2009 6:34 pm

تسلممممممممممممممم ايدك جزاك الله كل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 4:19 pm

الحلقة (18) موسى والخضر - الجزء الثاني









الرضا والإيمان بالقدر خيره وشره:

حلقة اليوم تتمحور حول ركن من أركان الإسلام، وهو الإيمان بالقدر - خيره وشره- والرضا، فلا يمكن أن تؤمن بالقدر - خيره وشره- ولا يمكن أن ترضى إلا إذا فهمت ثلاثة أسماء من أسماء الله الحسنى وهي: اسم الله "العليم"، واسم الله "الحكيم"، واسم الله "الرحيم"، فبقدر إيمانك ويقينك وثقتك بهذه الأسماء، ترضى عن قدر الله في حياتك وترضى عما لا تجد له تفسيرا في الكون وعما تراه متناقضا في الكون، وتبكي من حبك لعلمه ورحمته. يقول ابن القيم: "الرضا باب الله الأعظم ومستراح العابدين وجنة الدنيا". أقسم بالله لم تسقط ورقة من شجرة إلا بعلم ولحكمة من الله – عز وجل- فما بالك بإعصار أو بحادثة سير؟ يقول الله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }(الأنعام59)، فلا شيء إلا ويحدث لحكمة من الله وكل حكمة متعلقة بالخير المتلقى، فلا يصدر عن الله الشر أبدًا، وإن بدا لك أن ما يحدث متناقضا أو شرًّا فلا يمكن أن يكون إلا خير، وهذا ما توضحه قصة "موسى – عليه السلام- والخضر".


تأويل القصة الأولى:
يقول الخضر لموسى – عليه السلام- عن الرحلة الأولى والسفينة التي ثقبها الخضر، قال تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} (الكهف 79)، فهذه السفينة كانت مِلكًا لمساكين، تعتبر مشروعهم الاقتصادي، وهي للقرية كلها، هؤلاء البحارة يكسبون الرزق للقرية بكاملها بهذا المشروع البسيط، وكانت هذه السفينة في طريقها في الإبحار إلى البلد المجاور لهم، ولم يعلموا، أن بها ملكا يأخذ أي سفينة سليمة ليضمها إلى أسطوله، فخاف الخضر على القرية، وكان الحل أن يضرّ الخضر السفينة ضررا أصغر ليحمي السفينة من ضرر أكبر، فعندما يعاين الملك السفينة لا يأخذها لما فيها من خرق، فيحمدوا الله على ذلك. فلنتخيل إن لم يخرق الخضر هذه السفينة، فماذا سيحدث؟ كان الملك سوف يستحوذ على السفينة، وإن اعترض أحد البحارة سجنه أو قتله وستتيتم أطفاله، وسيضيع رزق قرية بأكملها، كان هذا واردًا إن لم يتدخل الخضر.

معنى وقيمة الرضا:
قد تكون أي مشكلة تؤرقك في حياتك خيرا لا تعلمه أنت، وإن حاولت أن تتذكر أكبر إنجازات في حياتك، فسوف تجد قبلها أزمة شديدة أدت إلى هذا الإنجاز، فبسبب قصة ذبح إسماعيل – عليه السلام- التي قد تبدو في أولها أزمة، كانت سببا بعد ذلك في إطعام فقراء العالم إلى يوم القيامة في عيد الأضحى، ومن دون أزمة السيدة هاجر وابنها إسماعيل – عليه السلام- ما كانت تفجرت عين زمزم، ولولا إلقاء يوسف – عليه السلام- في البئر ما نجت مصر من المجاعة، فبسبب الصراع بين الأوس والخزرج، وجد الأنصار الخلاص عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقبلوه، ولولا حروب الردة وما كان فيها من تدريب للمسلمين، وما انتصروا على الفرس والروم، مما أدى إلى إسلام مصر والعراق وفلسطين.

جزاء الرضا:
احمد الله وارضَ عنه ووارض بقضائه وقدره في حياتك، فكلمة "الرضا" تعني ترك الاعتراض على الله –سبحانه وتعالى- في ملكه، وأن تقف مع الله حيث أراد، لذا فمن قال حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات: "رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً-" وجب على الله –سبحانه وتعالى- أن يرضيه في ذلك اليوم، ولذا أيضًا بعد كل آذان: " رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً-" غفرت له ذنوبه، ولذا يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً "، فهذا هو المؤمن بحق. جاء رجل للرسول – صلى الله عليه وسلم- يقول: "أي العمل أفضل؟" قال الرسول – صلى الله عليه وسلم-: "إيمان بالله ورسوله، وجهاد في سبيله" فقال الرجل:"هل هناك شيء أهون من ذلك؟" فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: "ألا تتهمه في ملكه، ألا تتهمه في شيء قضاه". كأن الله يقول لنا إن لم ترضوا بقضائي فاخرجوا من تحت سمائي. فتخيل ابنًا مرض ولابد من بتر يده وإلا مات وأمه ترفض أن تقطع يده، والأب مصر على قطع يده، فمن أشد رحمة بالولد؟ أبوه أشد رحمةً به لأنه سيموت إن لم تقطع يده، يقول الله تعالى: {...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(المائدة3 )، فقد رضي الله لك به، فهلا ترضى أنت؟

تأويل القصة الثانية:
يقول الله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} (الكهف80-81)، فالله العليم يعلم كيف سيكون مستقبل هذا الولد؟ فهذا الغلام الذي لم يبلغ بعد سيكون طاغية، وكلمة (طاغية) معناها في القرآن أشد بكثير من (ظالم)، وكلمة طاغية لا يوصف بها إلا القلائل من عُتاة الإجرام في الأرض، من أمثال هتلر وغيره، وسبب طغيانه في الآية هو كفره، لأن كفره لنفسه، أما بطغيانه سوف يفسد في الأرض، ويأتي هنا السؤال عن الحكمة وراء خلق الفتى، ربما كتب لوالديه درجة عالية في الجنة، لا يبلغاها إلا بوفاة ابنهما، أو ربما يرزقهما الله بعدها بولد آخر فيعيشان حامدين لله باقي العمر، أو قد تكون وفاته رحمة للشباب أمثاله ليأخذوا عبرة ويرجعوا إلى الله، أما الولد فكان إن بلغ سيكون مصيره إلى النار لطغيانه، أما بوفاته قبل بلوغه فقد أصبح مصيره إلى الجنة، فمن وراء موته انتفع المجتمع وانتفع والداه وانتفع هو.

أمثلة أخرى للرضا:
لقد زرت أمًّا فقدت ابنها، وكانت الأم منهارة، فأخبرتها أن أحيانًا يموت الابن في سن صغيرة لحكمة، فإن استغفرت له واعتمرت له وبعثت له من الحسنات يكون مصيره الفردوس الأعلى، قد يكون منالها له صعبًا إن بقي على قيد الحياة، ولولا موته ما كنت أقدمت على هذه الحسنات، فيكون موته رحمة لك وله. فقد ذهب عروة بن الزبير لزيارة أمير المؤمنين، وكان معه ابنه الصغير، فأتاه ألم شديد، ونصحه الأطباء ببتر ساقه لمرضه، وفي اللحظة نفسها كان ابنه يلعب مع الخيل، فدهسته الخيل ومات، ففي اللحظة نفسها فقد ساقه وولده، فعندما أتاه الناس لا يدرون بما يواسونه، فينظر لهم ويبتسم ويقول لهم: "اللهم لك الحمد كان عندي سبعة عيال، أخذت واحدا وأبقيت ستة، وكان عندي أربعة أطراف، فأخذت واحدا وأبقيت ثلاثة، فلك الحمد، فإن كنت أخذت فقد أبقيت، وإن كنت منعت فقد أعطيت، فلك الحمد"، فقد أصاب الصحابي "عمران بن حصيل" مرض مُقعد، يجعله لا يترك فراشه، وقد لازم فراشه شهورا وسنين، فعندما يأتي له الناس لزيارته، يقول لهم: "شيء أحبه الله أحببته، والله ما لي في الأمور من هوى إلا مراد الله".
عندما قُتل سيدنا حمزة – رضي الله عنه- يوم بدر، ومُثل بجسده وجاءت هند وشقت بطنه لتأخذ كبده، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم- للزبير، ألا تراه السيدة صفية أمه وأخت حمزة، فوقف الزبير ليمنع السيدة صفية من المرور، فقالت له: "أتخشى علي، والله إن ما حدث لحمزة بجوار عطاء الله لنا لقليل، ولقد أرضانا كثيرًا"، فلما سمع النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: "أئذنوا لها أن تره".
لي صديق اسمه عاصم، فقد ابنته وكانت في الثامنة عشر من عمرها منذ شهرين، رحمها الله، وقد تألم كثيرًا، ولكنه يقول لي، أنه عاش مع ابنته ثمانية عشرة عامًا، وقد أنعم الله عليه بمتعة قضاء هذه الأعوام مع ابنته، التي كانت ترسل له رسائل تقول له فيها كم تحبه وهما في بيت واحد! فنعم بهذه الأعوام القليلة ما لم ينعمه من قضى مع أولاده عشرات السنين، فإن رضيت على الله رضى عنك، ألم تسمع بالآية: {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أبدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }(المائدة119)؟

تأويل القصة الثالثة:
قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} (الكهف 82) فلعلم والدهما بأن القرية كلها بخلاء فقد أخفى الوالد الكنز تحت هذا الجدار، لكي يأخذ الولدان الكنز عندما يبلُغا أشُدهما، فعندما مر موسى – عليه السلام- والخضر على الجدار كان الولدان لا يزالا صغيرين، فخاف أن يتهدم الجدار فيظهر الكنز، فرمم الجدار، فإن كنت أبًا صالحًا لا تخف فقدر الله سيرعى أولادك، فقد يتأخر رزق هاذين اليتيمين، ولكن قد تكون الرحمة في تأخر هذا الرزق، لادخاره لهما عندما يبلغا أشدهما، فإن تأخر الزواج أو الإنجاب، فاصبروا ففي تأخر الرزق رحمة وخير، وفي هذه القصة قيمة أخرى، ألا وهي ادخار شيء للأبناء لمستقبلهم، فلا تسرف فيما معك، واعلموا يا شباب، أن لآباءفي القصة الثانية والثالثة كانوا صالحين، ولحب الله للآباء فقد توفى الله الابن الطاغية في القصة الثانية، فاحذروا العقوق يا شباب، فقد مات الفتى لأجل والديه، وسينال الغلامان في القصة الثالثة الكنز من أجل أبيهما الصالح.

الرحمة محور الحياة:
ففي النهاية كان خرق السفينة رحمة، و كان قتل الغلام رحمة، و كان تأخير الرزق رحمة؛ فالرحمة هي مدار الحياة، فالأمومة رحمة، والنبي – صلى الله عليه سلم- رحمة كما قال عليه الصلاة والسلام :"إنما أنا رحمة مهداة"، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }(الأنبياء107)، والأنبياء رحمة، ووجود الوالدين رحمة، والزواج والأسر رحمة، لقد قام الكون على الرحمة، قال تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }(الأعراف156)، قال الله تعالى في الحديث القدسي: "إن الله كتب تحت العرش إن رحمتي سبقت غضبي".

ما استفاده موسى عليه السلام من هذه الرحلات:
فقد كان سيدنا موسى – عليه السلام- بحاجة لتعلم الصبر، وعلمته هذه الرحلات الثلاث الصبر، لكي يستطيع أن يكمل دعوته لبني إسرائيل، وغير ذلك فقد جاء موسى – عليه السلام- من أزمة فرعون وطغيانه للخضر، وفوق طغيان فرعون ومحاربته للحق قدر الله – سبحانه وتعالى-، فيرجع موسى – عليه السلام- وكله استبشار بالمستقبل لما يعلمه من رحمة الله في قدره، وقد نجى موسى – عليه السلام- بعد ذلك بالقدر عندما عبر البحر، وقد ذهب موسى – عليه السلام- للخضر وهو يحمل مشكلة أمة، فأراه الخضر كيف يحل قدر الله –سبحانه وتعالى- مشاكل الأفراد؟ فما بالك بمشاكل أمة؟ أيعقل أن يهتم الله كل هذا القدر بالأفراد ولا يهتم بالأمة؟! هذه القصة تبث الأمل للأمة الإسلامية اليوم، فكل ما يحدث لنا الآن ينطبق عليه قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }(البقرة216 )، في حياة الأمة وفي حياة الأفراد. تخيل يوم القيامة عندما يرينا الله حياتنا ونهاية كل من الأزمات برحمة الله وقدره، وقد تكون تلك إحدى لذات الجنة، فتذوب حبًّا لله – سبحانه وتعالى- ولذلك قال تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }(يونس10) وعندما يدخل أهل الجنة يقول لهم الله: "هل رضيتم؟" فيقولون: "ومالنا لا نرضى وقد بيضت وجوهنا وأدخلتنا الجنة" فيقول الله –سبحانه وتعالى-: "بقى شيء أن أرضى عنكم فلا أسخط بعدها أبدًا"


رابط تحميل الحلقة....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 4:29 pm

الحلقة 19 - بداية العشر الأواخر من رمضان
رابط تحميل الحلقة:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 4:31 pm

الحلقة(20) حادثة الأفك








هدف قصة الإفك:

هذه القصة في سورة النور، حوالي 20 آية في سورة النور. تتحدث عن كيفية تعامل المجتمع مع الشائعات. فالقصة تتحدث إلى الصحافة، والإعلام، ومحذرة إياهم من ترويج الشائعات، وموجهة للسيدات اللواتي يكدن إلى سيدات أخريات، فتقوم بترويج الشائعات، وهي موجهة أيضاً للشباب في الجامعة الذين يتحدثون عن البنات في الجامعات.

تألم النبي ألماً شديداً بسبب ذلك فقد أوذي إيذاءً شديداً وتأخر الوحي شهراً كاملاً. لكي تتعلم من ذلك ولا تتكلم عن شرف أي إنسانٍ، أو تنشر شيئاً يسئ إليه، أو تتحدث عن عرضه. فهناك الكثير من الدروس في القصص القرآنية، يقول الله تعالى "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً" (النساء82) ويقول الله تعالى "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا "(محمد24).

الوضع في المدينة:
المدينة بها 700 منافق تقريباً، يرأسهم عبد الله بن أبيّ بن سلول، فقد كان شديد الكراهية للنبي _صلى الله عليه وسلم_ وللمؤمنين، وكان يخطط أن يكون ملكاً على المدينة، وكان ذلك في بداية هجرة النبي _صلى الله عليه وسلم_ للمدينة، فتركه الناس، وذهبوا لاستقبال النبي؛ فلذلك كره النبي، وكان يُظهر الإسلام، ويبطن الكفر والنفاق، ومعه 700 شخص. عندما حدثت غزوة أحد، خرج مع المسلمين في الغزوة، ولكن قبل المعركة ببضع ساعاتٍ، رجع و معه ثلث الجيش؛ سعياً لهز الجيش ولكن المسلمون انتصروا في هذه الغزوة، وانتصروا أيضاً في غزوة الخندق. فأدرك أن السلاح لا يجدي، فلجأ إلى الشائعات، واستهدف بذلك الرسول _صلى الله عليه وسلم_ لكي يفكك المجتمع من الداخل.

كانت هناك غزوة تسمى بني المصطلق، سنة 5 هـ، فقد أراد البعض مهاجمة المدينة، فعلم النبي بذلك من الصحابة، فجهز جيشاً لكي يهجموا عليهم قبل دخولهم المدينة، فخرج المنافقون معهم لكي يشعلوا فتنة داخلية، وذهب المسلمون إلى المعركة، وانتصر النبي _صلى الله عليه وسلم_ في المعركة، وعند رجوعه مع الصحابة ارتاح الجيش في الطريق، واتُهمت السيدة عائشة في عرضها، وهي زوجة أشرف الخلق، وابنة أبو بكر الصديق، اتُهمت بالخيانة مع أحد أصدقائه، فكان شيئاً موجعاً.

يجب أن تصبر في الحياة؛ وذلك لكي يظهر المؤمن من غير المؤمن، "...وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً " (الفرقان20) فالحياة هكذا ولا يوجد مثالية فيها، فهناك صراع بين الخير والشر، ومعركتك هي أن تنتصر على الشر.

قصة الإفك:
تحكي السيدة عائشة القصة وتقول:" كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ إذا أراد الخروج إلى غزوة أقرع بين نساءه" - وهذا يدل على أن النساء يخرجن للغزوات، ويشاركن الرجال في المعارك، فهذا هو وضع المرأة في عهد النبي _صلى الله عليه وسلم_، المشاركة، والاحترام، - فخرج سهم السيدة عائشة، فتقول: "فخرجت معهم فانتصر الجيش، ونزل ليستريح، فذهبت لأقضي حاجتي، فعدت وقد نودي للجيش بالرحيل، فنظرت إلى عقدي وقد كان لامرأة من نساء الأنصار"- وهذا يدل على أهمية رد الأمانات - فتقول: "فالتمست العقد فلم أجده، فعدت مسرعة أبحث عن العقد، فوجدته، فعدت، فلم أجد الجيش، وكانت النساء خفيفات؛ لم يثقلهن اللحم، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وانطلق الجيش، وجلست وحدي في الصحراء، في مكاني، وقلت سيفتقدونني، ويعودون إلي ، فغلبتني عيناي، فنمت، وكان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يترك في مؤخرة الجيش صحابي، شهد بدراً، اسمه صفوان بن المعطل، كان يتفقد ويراقب مؤخرة الجيش، ليرى إذا تخلف شخص، أو فقد شخص متاعه، فجاء فرآني، فعرفني، فأعطاني ظهره، ونادى ليوقظني، وقال:"إنا لله وإنا إليه راجعون"، فاستيقظت، وأناخ الجمل، فركبت، ووالله ما تكلم معي كلمة، وما تكلمت معه كلمة، فوصلنا إلى الجيش، فرآنا عبد الله ابن أبيّ بن سلول، فبدأ يتكلم سراً بين المنافقين، وبدأ ينشر، ويقول أين كانوا؟ ماذا فعلوا؟ وبدأ الخبر ينتشر وسط الجيش".

تخيل موقف أبو بكر الصديق، رفيق النبي، ووالد زوجة النبي، وابنته حبيبة النبي! لذا سميت القصة بحديث الإفك؛ فالإفك هو (البهتان، والزور، والافتراء الذي لا أصل له).

تقول السيدة عائشة:" أن من رحمة الله عليها أنها عندما رجعت مرضت شهراً"، فهي لم تعرف القصة إلا بعد شهر إلا ثلاثة أيام، وتخيل لو عاشت شهراً هكذا، ماذا كان سيحدث لها؟ فيجب أن يتعلم المجتمع وأن يتعلم المسلمون درساً إلى يوم القيامة، ولو لم ينضبط اللسان بعد هذه القصة؛ ستكونون شركاء في إيذاء رسول الله، لأنكم لم تتعلموا، لذلك لا تتحدث عن عرض أي إنسان ولو حتى بالإشارة أو بالرسالة.

تقول السيدة عائشة: "فبقيت شهراً مريضة ولا أدري ما يقول الناس ولا يغيبني، – أي لا يوجد ما استغربه- غير أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يدخل علىَّ مهموماً، وطريقة سلامه مختلفة، فيدخل عليّ رسول الله ويقول: "كيف تيكم ؟"، ولا أجد ما كنت أجد منه من الوُد". فبالرغم من ذلك لم يكلمها الرسول عن أي شي طيلة هذه المدة. ما موقف أبو بكر الصديق؟ ما موقف صفوان بن المعطل؟ ما موقف عمر بن الخطاب؟

مضى شهر إلا ثلاثة أيام، وبدأت السيدة عائشة تسترد صحتها، فتقول:"خرجت مع أم مسطح"، -ابنها مسطح بن أثاثة ابن خالة السيدة عائشة، فهو مهاجر، وفقير؛ ينفق عليه أبو بكر لأنه مهاجر فقير-. فتقول: "خرجت مع أم مسطح إلى الخلاء، فبينما نحن نسير، عثَرَت أم مسطح، فقالت: "تعس مسطح" ،فقلت لها:"أتسبين رجلا شهد بدراً، من أصحاب رسول الله، ومهاجر؟" قالت:" أوما تدرين ما قال فيكي؟"، قلت: "وما قال فيَ؟"، فأخبرتني بقول أهل الإفك"، وقالت لها أن كل المدينة تعرف ذلك.

دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم:
هذه القصة من دلائل النبوة، فالدليل الأول أن الوحي تأخر شهراً، ولو كان يكتبه الرسول بيده لكتب ما يريد مباشرة، ولكن هذا من دلائل النبوة، والدليل الثاني هو رفض الرسول_ صلى الله عليه وسلم_ إصدار أي عقوبة على من يتكلم على زوجته، فهو النبي الزوج، والنبي القائد، ولكنه لم يستخدم سلطته كزوج في موضوع يخص الأمة، فهذا يدل على الحرية، وعدم الظلم.

يقول أحد المستشرقين: "كلما شككت في نبوة محمد، نظرت في قصة حديث الإفك، فأتوقف، وأقول:" لا يكون هذا إلا نبي"؛ وذلك لأن الوحي تأخر شهر بدون حل لهذا الموضوع، وكذلك لأنه لم يستخدم سلطته، فهذا يدل على نبوته.

تقول السيدة عائشة "فجريت إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فوجدته مهموما"، متى كان شعور الرسول بالهم أكثر، في غزوة أحد، أم حديث الإفك؟. ففي غزوة أحد كسرت رباعيته، وشج في رأسه، وانهمر وجهه بالدماء، فكانت فاطمة بنت رسول الله تغسل الدم بالماء، ولكن لا يتوقف الدم، إلى أن جاء سيدنا علي بخرقة، حرقها حتى صارت رمادا، ثم ألصقها بالجرح، فاستمسك الدم، فرفع النبي يديه إلى السماء، فظنوا أنه سيدعوا عليهم، ولكنه قال: " اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون"، فبالرغم من ذلك نظن أن الأصعب هو حديث الإفك؛ لأنه اتُهم في أهل بيته، فكل ذلك لكي نتعلم أن نمسك ألسنتنا عن أعراض النساء.

فقالت السيدة عائشة للرسول _صلى الله عليه وسلم_:"اأذن لي أن أعود إلى بيت أبي أمرض"، فقال:" نعم إن شئت"، فذهبت إلى أمي فقلت:"أوسمعت ما قال الناس؟"، قالت:" نعم"، فقلت:" وما تقولين؟"، قالت:"يا بنيتي، ما من امرأة حسناء، محبوبة عند زوجها، ولها ضرائر؛ إلا أكثرن عليها"، فقالت :"أوعلم رسول الله"، قالت:"نعم"، قلت:"أوعلم أبي؟"، قالت:" نعم"، فصعدت إلى سطح المنزل، فوجدت أبي يقرأ القرآن، فقلت:"أوقال الناس فيَ"، فقال:"كنا آل أبي بكر في الجاهلية لا يذكرنا أحد بسوء، وقد أكرمنا الله بالإسلام، أيقول فينا المنافقون ذلك".

لم ينزل جبريل طيلة هذه الفترة، حتى يصفى الناس؛ ويتعلموا فقد قال الله تعالى :"... لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ..."(النور11).

أقسام الناس في المدينة:
انقسمت المدينة إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: لا يصدق، لكنه الأغلبية الصامتة، لا يكذب، ولا يدافع.

القسم الثاني: صنف أقلية، ترفض، وتكذب، منهم أبو أيوب الأنصاري وزوجته فيقول لها:
" أسمعت ما يقول الناس؟"، قالت:"نعم"، قال:"لو كنت مكان عائشة، أكنت تفعلين ما يقولون عنها؟"، قالت:"لا"، قال:"فعائشة خير منك"، قالت:"وأنت لو كنت صفوان، أكنت تفعل ما قالوه عن صفوان؟" قال :"لا، معاذ الله"، قالت :"فصفوان خير منك".

القسم الثالث: المنافقون، وكانوا يقومون بترويج الشائعات.

القسم الرابع: المؤمنون، ولكنهم تكلموا في هذا الموضوع، ومنهم مسطح بن أثاثة، الذي ينفق عليه أبو بكر، ومنهم أيضاً حسان بن ثابت، شاعر النبي، الذي قال له النبي :" قل يا حسان وروح القدس يؤيدك".

ماذا فعل صفوان؟ ثارت ثائرته؛ عندما سمع أن حسان قد تكلم عنه، فأخذ قوسه، وذهب إلى حسان، وشج رأسه، وقال:"أتتهمني في عرضي؟!"، فذهب حسان إلي النبي ليشكوَ له، فنادى النبي صفوان بن المعطل، وقال له:"يا صفوان، ما أمرنا بذلك، إما أن ترضيه او أرد إليه حقه"، فقال:"ليس معي ما أرضيه"، فقال له:"أنا أعطيك".

أحد المستشرقين كان يجلس مع أحد العلماء، فسأله:"بأي وجه استطاعت السيدة عائشة أن تواجه المجتمع وتقابل المجتمع بعدما قيل عنها؟"، فرد عليه العالم، وقال:"بنفس الوجه الذي قابلت به مريم الناس عندما أتت به قومها تحمله، قابلتهم بوجه الصادقة، الواثقة من براءة الله عز وجل".

تقول السيدة عائشة :" فظللت ثلاثة أيام لا يرقي لي دم، ولا أكتحل بنوم، ولا يغمض لي جفن؛ حتى ظننت أن كبدي سينفطر من شدة البكاء".

موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هناك أربعة حلول أمام النبي صلى الله عليه وسلم:

الحل الأول: هو أن يطلقها ولكنه لم يفعل ذلك.

الحل الثاني: أن يدافع عنها بقوة، ويستخدم سلطته كقائد؛ بإصدار قرار بعدم الحديث عن زوجته السيدة عائشة، ولكنه لم يفعل ذلك، لأن النبي زوج فلا يصلح له أن يستخدم القيادة في الدفاع عن زوجته.

الحل الثالث: أن يترك الموضوع للمجتمع، يختار ما يشاء.

الحل الرابع: وهو الذي اختاره النبي، وهو أن يتحدث مع شرائح مختلفة في المجتمع، فبدأ بالحديث مع أم أيمن الجارية، وقال:"أوسمعت ما يقول الناس يا أم أيمن؟"، قالت:"نعم يا رسول الله"، فقال:"فماذا تقولين يا أم أيمن؟"، فقالت:"أحمي سمعي وبصري يا رسول الله، والله ما علمت عنها إلا خيراً يا رسول الله".

ثم ذهب إلى زينب بنت جحش زوجته؛ لأن أختها قد تحدثت عن السيدة عائشة، فقالت:"أحمي سمعي وبصري يا رسول الله، والله ما علمت عنها إلا خيراً" .

فانتقل النبي لشريحة الشباب، فذهب إلى أسامة بن زيد، فقال له:"ما تقول يا أسامة؟" فقال:"الله أكبر يا رسول، أهل بيتك يا رسول الله، وما أعلم عنهم إلا الخير". فذهب لسيدنا علي فقال:
"وما تقول يا علي؟"، قال :"يا رسول الله النساء غيرها كثير، طلقها وتزوج غيرها".

بعد ذلك ذهب إلى سيدنا عمر بن الخطاب فقال:"يا رسول الله من الذي زوجك إياها"، قال:
"الله"، قال:"أيظنون أن الله يزوجك إياها ويدلس عليك"، فقال:"قل لهم يا عمر"، فهذا يدل أن الرسول يعلم أنها بريئة.

موقف رسول الله يدل على الحكمة، والصبر، والترتيب؛ فقد أخذ رسول الله رأي الشباب والنساء والكبار، وجمع الناس، ثم صعد الرسول على المنبر، وقال:"أيها الناس من يعذِرَني في رجل آذاني في أهل بيتي، وما علمت على أهل بيتي إلا خيراً، ولقد ذكروا لي رجل ما علمت عنه إلا خيراً، وما دخل على أهل بيتي في غيابي أبداً، فيقوم أسيد بن حضير سيد الأوس، وهو من الأنصار الصادقين، فيقول:"يا رسول الله إن كان من الأوس قطعنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج مرنا فلنقطع عنقه، فقام سعد بن عبادة صحابي من سادة الخزرج، فقال:"كذبت والله لا تقدر أن تقطع عنقه"، فقال له أسيد:"بل أنت الذي كذبت أنت منافق تدافع عن منافق"، فقام الأوس والخزرج كل يشد سلاحه، فنزل النبي من على المنبر، وقال :"دعوها، أبدعوى الجاهلية وأنا بينكم؟ عودوا إلى بيوتكم".

تقول السيدة عائشة فبكيت هكذا ثلاثة ليالي، حتى أتاني النبي _صلى الله عليه وسلم_، فدخل عليَّ وعندي أبواي، وقال :"يا عائشة إن كنت بريئة فسيبرئك الله"، وإن كنت قد أذنبتي فاستغفري الله، فإن الله يغفر للعبد إذا أذنب وتاب"، تقول السيدة عائشة:"فتوقف الدمع في عيني ونظرت إلى أبي وأمي" وقلت لهم:"أفلا تجيبون رسول الله؟"، فقالوا :"والله لا ندري بما نجيب رسول الله"، فقالت:"والله أرى أن أمراً استقر في نفوسكم وصدقتم، فإن قلت لكم واعترفت بشيء لم أفعله صدقتموني، وإن قلت لكم لم أفعله لم تصدقوني، والله لا أجد لي ولكم إلا قول أبا يوسف – مما هي فيه نسيت اسمه وهو يعقوب وقالت أبا يوسف-:"فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون". تقول:"فقبل أن ينهض النبي _صلى الله عليه وسلم_ من مجلسه قمت إلى سريري، ادعو الله:"اللهم إني أعلم أنك ستبرئني".

براءة السيدة عائشة من فوق سبع سموات:
تقول:"فبينما أنا على سريري أدعو الله وكل ما أتمناه أن يبرأني الله، فإذا برؤية يراها رسول الله في المنام، وإن نفسي عندي أوهن من أن ينزل فيها قرآناً، فنزل قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة"، تقول:"فبينما رسول الله عندنا إذا بالوحي ينزل، ويضحك النبي"، ويقول:"يا عائشة أبشري برَأكِ الله عز وجل"، فقال أبو بكر وعمر:"قومي لرسول الله اشكريه"، فقالت:"لا والله لا أقوم لرسول الله، ولا أقوم إليكما، ولا أسجد إلا لله عز وجل هو الذي برأني فسجدت شكراً لله عز وجل ونزلت الآيات "إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ "(النور11) ثم نزلت القاعدة القلبية "لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ "مثل ما فعل أبو أيوب الأنصاري، أما القاعدة العملية التشريعية "لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ* وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ* إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ* وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ* يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ*وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ "

قال أبو بكر أنه لن ينفق على مسطح فنهاه الله تعالى عن ذلك وقال"وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" وذلك يدل على أهمية صلة الرحم ويجب على كل إنسان أن يعفو ويسامح أخيه حتى يعفو الله عنه. ويقول الله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ"

الآداب الإجتماعية التي تشتمل عليها سورة النور:

• تزويج الشباب:

يقول الله تعالى:"وَاَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ* وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ... "

• الاستئذان:

يقول الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "

• غض البصر:

يقول الله تعالى :"قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ "

• الحجاب:

يقول الله تعالى :"وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "

الخاتمة:

سميت بسورة النور؛ لأن الإنسان لو نفذ هذه الآداب؛ سيستنيرُ المجتمع، ومصدر النور هو الله سبحانه وتعالى"اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... " وينزل هذا النور في المساجد "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ" وينزل هذا النور على "رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ " ويصف الله من لم يفعل هذه الآداب الإجتماعية "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ "ولذلك يجب أن نقرأ سورةُ النور ونعمل بما فيها من أحكام؛ لكي يستنيرَ المجتمع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 4:36 pm

[right][size=18]الحلقة 21 - قصة ذو القرنين









من هو ذو القرنين؟

هذا الرجل طاف لمسافات كبيرة جداً في الكرة الأرضية، هو وفريق العلماء الذي يرافقه، ومفتاح شخصية هذا الرجل شيئين: الأول دنيوي والثاني إيماني. الشيء الدنيوي: هو حب اكتشاف المجهول، الشيء الإيماني: هو حب الخير والإصلاح في الناس، فاستخدم حبه لاكتشاف المجهول من أجل الإصلاح في الأرض.

قصته توجد في سورة الكهف، وبعد قصة موسى والخضر مباشرةً، ويقول الله سبحانه وتعالى في الآية: "... قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً "(الكهف83)، فلم يحكي الله عنه كل شيء من تفاصيل مولده أو حياته الشخصية، لكنه حكى لنا عن القوة العالمية حينما توَجَه للخير، وحينما تكون هناك قوة عالمية في الأرض فلا تُنهبُ ثرواتُ الشعوبِ وإنما تُصلحِ في الأرض، وهذه الزاوية التي سنراها اليوم وهي لمن يُعطي ولا يأخذ خير الآخرين . ثم تأتي الآية: "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً "، إذن كل إمكانيات الإصلاح، والنهضة، والقوة العالمية موجودة لديه، من قوة عسكرية رهيبة، وقوة اقتصادية عظيمة، وقوة تكنولوجية، وعلمية غير موجودة في الأرض، وقوة روحية، وإيمانية، ودافعة غير موجودة في الأرض، وهو رائد التنمية بالإيمان. وهي الفكرة التي ذكرناها في صناع الحياة، فإذا أردت أن تراها مُجسدة في قصة من قصص القرآن فستجدها في ذي القرنين: التنمية بالإيمان.

فإذا قارناه بنابليون، فيكون هوالأفضل؛ فنابليون هُزم في النهاية، وإذا قارناه بالإسكندر الأكبر، فيكون هو الأفضل؛ فالإسكندر أفسد في النهاية، فإذا قارناه بأمريكا، فيكون هو الأفضل؛ فأمريكا لديها بعض أسباب القوة، لكن لم يجتمع لأحد من كل شيء سبباً، فهي قوة لم تحدث من قبل! يقول سفيان الثوري:" لم يجتمع لبشر مَلَكَ الأرض إلا لمؤمنين: سُليمان وذي القرنين"، والآية تقول: "... وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً "، فالله تعالى أعطاه الأسباب ولا توجد خوارق، فهو ليس نبي ولا مَلِك، فالله تعالى أعطاه مفاتيح العلوم، والحضارة، والنجاح، وهو لديه حب اكتشاف المجهول، وتَربى على حب الخير والعطاء لكل البشر بصرف النظر عن جنسياتهم أو أديانهم، وهو مشابه لإبراهيم عليه السلام ويوسف عليه السلام، ومن أشباه الفاتحين في الإسلام: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وغيرهم، ومن أشباه المستكشفين: كولومبس، وتاسكو داجاما، و من أشباه زعماء العالم الذين طافوا الأرض كالإسكندر لكنه تفوق عليه بشدة. هو شخصية عالمية، فذة، مؤمنة، مُصلحة. فلماذا يحكي لنا الله قصته في القرآن؟ فهذا هو قرآننا والله آتانا من أسباب الإصلاح والنهضة.

ذو القرنين والطموح:
ملحوظة عجيبة: لماذا ذكره القرآن باسم ذو القرنين؟ ألأنه بلغ قرنيِّ الشمس! أم لأنه ملك قرني الحضارة! وهو المعنى الأعمق، والحضارة إما مادية أو روحانية، وعادةً الذي يجمع بين الاثنين يكون قليلاً جداً، فالغرب يمتلك حضارة مادية عظيمة لكنه يفتقر للروحانيات، أما ذو القرنين فقد ملك قرن العلم، وبتوجيهه العلم للإصلاح فقد ملك قرن الإيمان. "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ". أنه مُكِن من كل الأرض، بالأسباب وليس بالتواكل، بل بالعمل، والهندسة، والجغرافيا، والطب، والتاريخ، والعلوم، واللغات، والمعمار والآلات الحربية، فعندما يجوب العالم سيحتاج لكل تلك العلوم، فكفانا تواكل! ونحن ندعو كل رمضان أن ينصرنا الله ومع ذلك حالنا كما هو، لأنه دعاء بدون عمل، وفي سورة آل عمران صفحة كاملة دعاء: "رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا ... " (آل عمران 193)، ثم الرد على الفور "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم ... "، ولم يقل دعوة داعٍ، وذو القرنين لم يكتفِ بأخذ الأسباب كلها، بل في الآية: "فَأَتْبَعَ سَبَباً " (الكهف85)، وجه شعبه وشباب الأُمة لمزيد من العلم، فعلم الله لا ينفذ وقد أعطاه مفاتيحه، وهذا طموح غير عادي.

فإذا أعطى الله أحد الشباب موهبة ما، تجده يحمد الله عليها ثم يتوقف على ذلك، ويستخدمها عدة سنوات ثم يقف، مثل لاعب الكرة الذي يوقف طموحه ولا ينطلق للعالمية لكي نرى أفضل لاعب مسلم على مستوى العالم، ومثل صاحب شركة محلية ينجح بشدة ولا يصل بها إلى العالمية مثل الغرب لأن طموحه توقف، ومثل كاتب القصة الذي يصبح أفضل كاتب في الوطن العربي ولا ينطلق للعالمية لأنه لا يُطور من نفسه.

نشأة ذو القرنين :
الله تعالى جعل السماء عالية ليصبح طموحك بلا نهاية، فتخيل إن كانت فوق رأسك مباشرة! أما ذو القرنين فهو يعمل بطموحه ليل نهار، والسؤال هو كيف أصبح هكذا؟ الجواب يتلخص في ثلاث نقاط:
1. ذو القرنين نتاج أُمة فمن غير الممكن أن يكون هكذا وحده، لكي لا نظلم أنفسنا، أو أظلم الشباب بأن أجبرهم على أن يكونوا ذا القرنين، فذو القرنين عمل تراكمي، من الممكن جداً أن يكون 300 سنة عمل من جيل لجيل، يبدأ بالتعليم مثل قصة موسى والخضر، ثم أُمة لها رسالة، ثم عزم، ثم قوة، ثم علم، ثم ينتج ذو القرنين، فذو القرنين ليس نتاج نفسه بل نتاج أُمة، مثل صلاح الدين الذي ليس نتاج نفسه، فأولاً خرج الإمام أبي حامد الغزالي، وقدم كتاب إحياء علوم الدين، ليُفهَمَ الدين بشكل يناسب زمانهم، وبدأ ينشئ مدارس تَخَرج منها نور الدين محمود، وأسد الدين شيركوه، ثم خرج صلاح الدين، فإذ هم ثلاث أجيالٍ. فلن نظلم الشباب ولكن على الأقل لابد من وضع بذور ينتج منها ذو القرنين، ولماذا يحكي الله تعالى لنا هذه القصة؟ أين الأُمة التي تُخرج ذو القرنين؟

2. ذو القرنين بدايته حلم، وأنا متأكد أن قصة مشرق الشمس ومغربها بدايتها حلم زُرع به منذ الطفولة من والديه أو منه، ويتفكر ويرى الشمس والغروب وحب الاستكشاف وهي الصفة التي يفتقدها شباب المسلمين اليوم، والمجهول لايزال كثير في العالم، المجهول في أعماق البحار، وآفاق السماء، وفي الكائنات الحية، وفي جسم الإنسان، وفي قاع الأرض من معادن وبترول. لذا فالمجهول لازال كثيراً ويبحث عن من يكتشفه، شباب الغرب مازال لديهم حب الاستكشاف، ومازال شباب المسلمين لديهم خجل وتوقف من اقتحام المجهول، فهل هذا بسبب طريقة التعليم؟ أم قلة الثقة بالنفس؟ أم قلة الطموح؟ وذو القرنين حلمه الأرض كلها، والله تعالى لم يصف لنا الأماكن التي وصل لها جغرافياً، لكن أخبرنا أنه وصل لآخر الأرض غرباً وأخر الأرض شرقاً، وهكذا كان طموحه، فلم يُحَجمه بأماكن، فلماذا لا تحلم أنت؟ هل تخاف أن تدفع! أم تخاف أن تحلم! لا تكن ضعيفاً وتقول أنا أقلُ من الحلم، احلم فعلى الأقل من سيحلم يمكنه تنفيذ حلمه، فالذي لا يملك أن يحلم، سيقوم غيره بهذا الدور بل سيضعه جزء من حلمه، والبلد التي لا تملك حلم، ستصبح جزء من أحلام بلاد أخرى، وذو القرنين كان حلمه استكشاف الأرض ولا تستهينوا بكلمة حلم.

3. ذو القرنين لديه منظومة قيم وأخلاقيات، إذا لم تكن عنده كان من المستحيل أن يُمَكَن هذا التمكين وكان قد أفسد في الأرض فساداً شديد، ورصيد قيم ذو القرنين كان: قيمة العمل، قيمة العلم، قيمة الأيدي النظيفة؛ فلم تمتد يده إلى خيرات الشعوب، قيمة الطموح، قيمة العطاء وحب الخير وإسعاد الآخرين، قيمة الإتقان التي تظهر عند بناء السد، قيمة العدل وكراهية الظلم والسلبية، هل يمكنك أن تُحضِر الآن ورقةً وقلمًا وتكتب قيمك أنت، من أين تأتي القيم؟ من الأب والأم والدين، وهذه دعوة للآباء والأمهات، فحكاية قبل النوم هامة جداً خاصة إذا كانت مذاب فيها مجموعة قيم، ومثلما تشتري لهم الملابس وتزيد من رصيدك في البنك لكي تتركها لهم، فأهم من هذا وذاك أن تترك لهم قيماً، فهدايا القيم أغلى بكثير من هدايا المال، وإذا مت ولديهم قيم وليس لديهم مال؛ سينجحون، أما إذا مت ولديهم مال بدون قيم؛ فلن يحققوا شيئاً. أولادكم يحتاجونكم فأعطوهم وقتاً، فالأب والأم ليسوا شئوناً إدارية، يملون أوامر كالأكل، والنوم، والنظافة، والمذاكرة، بل الأب والأم مخزون قيم يدخر للأولاد عن طريق القدوة، والمواقف، والتربية، والمعاشرة، والكلام، والحب وليس العنف، ولذلك ذو القرنين كان مؤهل للتمكين بسبب ما يملكه من رصيد للقيم.

التوكل والأخذ بالأسباب:
ولقد نزلت في ذي القرنين أكثر من عشرين آية، ألهذا القدر يحبه الله تعالى! وقد سمع الصحابة هذه الآيات في مكة، ففعلوا ما فعل ذو القرنين في 25 عاماً، جيلُ وراء جيل، وحتى بعد موت النبي_ صلى الله عليه وسلم_، لم تكن حدثت بعد، فكانوا لا يزالون في الجزيرة العربية، لكن يبدوا أنهم حين سمعوا سورة الكهف وقد أمرنا الله تعالى بقراءتها كل يوم جمعة، حدث شيء ما في تفكيرهم.

فلماذا نصوم رمضان؟ ألكي نعود للمعاصي أول يوم للعيد؟ أم أنه مخزون طاقة لكي نقوم بنهضة ونُصلحَ ونُعلمَ، فالصحابة وهم مستضعفون في مكة- كأني أرى أعينهم تلمع وهم يقرأون قصة ذو القرنين كل يوم جمعة! والفكرة وصلتهم بما فيها من قيم، بالإضافة لمجئ هذه القصة بعد قصة الخضر مباشرةً، فالخضر كان يتكلم عن الغيب والروحانيات، فكان لابد من التوازن باتباع الأسباب في قصة ذو القرنين، فلو كان الكلام توقف عند الخضر لكان الجميع ينتظر أفعال الله فيه بدون فعل منه. وقد تحدثنا كثيراً عن الرضا عن الله وأفعاله. أما ذو القرنين فقد قام بثلاث رحلات في كل منها كلمة قبلها "فَأَتْبَعَ سَبَباً" فليس متواكل، فالتوكل هو أن تأخذ بالأسباب وتقوم بكل شيء ثم تقول يا رب!

قرر ذو القرنين قراراً عظيم، فلديه إمكانيات وبداخله طموح وحب لاكتشاف المجهول، لذا قرر أن يأخذ أمته ويذهب بها للطواف بالأرض في ثلاث رحلات من غربها لشرقها لشمالها، وأثناء مروره يساعد البشرية ويُصلح في الأرض، فقد استكمل قوته كأُمة فلمَ لا يفيض بالخير على الآخرين! ولا ينهب شيء من ثروات الشعوب بل يعطي هو، وقد أعطاه الله كثيراً حتى أصبح قوة عالمية، فكيف توظف لخير الآخرين، إذاً ففكرة العولمة ليست جديدة بل بدأها ذو القرنين وهي عولمة الحق والخير، وأيهما أسعد للبشرية؟ عولمة التكنولوجيا أم عولمة الحق والخير؟ ففكرة ذو القرنين هي أنني أنجح وينجح معي الآخرين، وليس من الضروري لكي أنجح أن يفشل الآخرين! ونموذج ذو القرنين هو نموذج عالمي وليس مُهدى فقط للمسلمين، بل مهدى لكل القوى في العالم في كل زمان ومكان، فالقرآن عالمي فلا تغلقوه علينا كمسلمين، وذلك ما قلته في كل القصص مثل قابيل وهابيل ومريم، وأن كلها قصص عالمية.

فالقوى العالمية تحتاج أن تَدرُسَ ذا القرنين، ورجال السياسة يحتاجون أن يدرسوا ذا القرنين، وذو القرنين كان عظيم في قراره لأن لديه شباب وإمكانيات وعلوم. إذا لم تتحرك ماذا يحدث؟ وإذا كان العالم العربي خالٍ من مشروع قومي للشباب فماذا يحدث؟ مخدرات، وتطرف، وإرهاب. فذو القرنين وجه أمته للحركة، وأنا أقول للشباب إذا لم يوجد ذو القرنين ولم يوجد مشروع قومي لبلدك فتحرك أنت، وإلا فلن تخرج الطاقة التي بداخلك، ولهذا تجد شباب يُصبح متدين ثم يعود كما كان، وتجد شباب يتعاطون المخدرات ويجلسون مع أصحاب السوء، فابحث عن مشروع تقوم به، أو أسرة تنقذها، اصنع حياة إنسان، أو أسرة، انزل لقرية من القرى، علِّم الناس.

ذو القرنين قام بثلاث رحلات، أخذ الأرض عرضاً... ملايين الكيلومترات! أول رحلة لإقامة العدل التي هي أول النهضة، والرحلة الثانية هي رحلة تنموية اقتصادية، والرحلة الثالثة هي مواجهة الأعداء الخارجيين المهاجمين لبلادنا، وسنشاهد خمس أُمم من الموجودين في الأرض، وستجد أنها مثل ما نراه اليوم، لأنها مثل الصور أو المرايا التي نرى فيها أنفسنا اليوم، وسنأتي في النهاية للسؤال: يا ترى نحن أي أُمة منهم؟

رحلات ذو القرنين :
حلقة اليوم رسالة للعالم كله، ورسالة للمسلمين بأنه لا يصلح وضعهم هذا، ورسالة للقوى في العالم كله أن يتوجهوا للخير والإصلاح، وسنتحدث عن الرحلة الأولى لذو القرنين. ويقال أنه خرج لليمن متجهاً إلى مغرب الشمس، وتخيل القوة العسكرية الخارجة معه والبلد تودعهم ومعهم العديدَ من المهندسين، والأطباء، وعلماء الجغرافيا، واللغات.

ومغرب الشمس بالنسبة لأي إنسان هو مكان غروبها بالنسبة له سواء كان أمام بحر أو جبل، لكن ذو القرنين وصل إلى آخر الأرض غرباً كما أرشده مستشاريه من علماء الجغرافيا، "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ... " (الكهف86)، والعين الحمئة (هي أرض زراعية خصبة جداً مليئة بالعيون مع انعكاس ضوء الشمس عليها وعلى الطين الأسود) فتكون مثل العين الحمئة، وكانوا قوم لديهم حضارة ومال لكن للأسف ظالمين، ووجد في هذه البلد مظلومون يزرعون الأرض بلا أي حق، وتجد عظماء البلد وأغنياءها استولوا على كل شيء، وعند دخول ذو القرنين البلد ظنوا بالتأكيد للوهلة الأولى أنه أتى لأخذ خيراتهم، ولم يصدقوه حين أخبرهم أنه لم يأتي لهذا السبب، "... قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً "، وهذا اختبار له بعد أن أصبح قوة عالمية ماذا سيفعل؟ فوضع ذو القرنين دستور جديد ولم يعاقب الذي أخطأ من قبل كما ذكرت الآيات: "قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً " ، عقوبات رادعة ولا يوجد فوضى ولا محاباة، وقام بتشجيع الوازع الداخلي في الناس، "وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً " وهذا لمن يُصلِحُ في الأرض والذي سيوضع في مكانه المناسب بدون أي وسائط، وسيكون له جوائز تشجيعية، وهكذا أقام ذو القرنين العدل في هذه البلد، وهذه كانت القصة الأولى.

بالتأكيد لم يتركهم ذو القرنين حتى استقروا وثبتوا على الدستور الجديد، ثم مشى ملايين الكيلومترات الأخرى اتجاه مشرق الشمس، فكم كيلومتراً مشيته أنت من أجل الإصلاح؟ أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام: " أتدري لما اتخذتك خليلاً؟ "، فقال: لما يا رب؟، قال: " لأن حبك للعطاء أكثر من حبك للأخذ". فانظروا لمجهود ذو القرنين! وكيف احتمل من معه! غير أن حبه للعطاء غير عادي! اجعل أولادك يحبون العطاء. "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْراً "، مثل بعض المناطق الفقيرة في أفريقيا ليس بها شجر أو زرع أو ماء، فهم يعيشون مأساة وكارثة طبيعية، بدون حتى ملابس تسترهم من الشمس، ولديهم جفاف وبدون ماء، فمشكلتهم أنهم كانوا مستسلمين لهذه الكارثة، ويَدََعونَ أن هذا قَدرُهُم! ونسوا أن شق الآبار من قدَّر الله، وحفر الأنهار من قدر الله، وزرع الأرض من قدر الله، فلما لا تُصلحوا قَدَر الله بقَدَر الله!

وهذا كلام لنا، فمشكلة القوم الأولين الظلم أما هؤلاء فمشكلتهم التحجج بالقدر. ألسنا نكرر نفس الكلام دائماً أن هذا قدرنا! وأننا في انتظار المهدي المنتظر لينقذنا! الله عز وجل يرينا في كل رحلة نوعُ من الأُمم، ونوعُ من الإصلاح، وذو القرنين ليس نمطي، فالرحلة الأولى احتاجت للعدل والثانية للإصلاح التنموي، حتى وصل لأفضل إنجاز استفدنا منه حتى اليوم وهو بناء السد الذي منع يأجوج ومأجوج من الدخول علينا حتى اليوم.

انطلق ذو القرنين وجنده حتى وصلوا لأرض فسيحة بين جبلين، في شمال الأرض من الممكن جداً أن تكون ناحية الصين، أو جورجيا، أو الاتحاد السوفيتي. لا أعلم بالتحديد. "حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً " وجد هناك جنسيات جديدة ولا يفقهون قولاً لا تعني أنهم لا يستطيعون الكلام، بل أنه حينما دخل عليهم كانوا في مصيبة، أطفال مقتلين، زرع محترق، خيرات منهوبة، "قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً "، واضح أنهم يعرفونه جيداً، وأن شهرته في ذلك الوقت شهرة عالمية، وأنهم قوم مؤمنين، ويأجوج ومأجوج قبيلتين وظيفتهم أن يخرجوا على هؤلاء القوم لأخذ خيراتهم وذبحهم...وذلك منتهى الفساد، ثم يعودوا حيث أتوا وذلك يحدث مرة كل عام، حتى يبدأ القوم في الزراعة مرة أخرى فيخرج يأجوج ومأجوج من بين السدين لأخذ خيراتهم ثم يعودوا، ومن أسمائهم تشعر بالغلظة التي بهم، فيأجوج: من تأججت النار، ومأجوج: من ماجت الماء مثل الطوفان الذي يُغرق كل شيء، فهم قبيلتين مفسدتين في الأرض.

فقالوا لذو القرنين: "... فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً "، فهم أغنياء لذلك عرضوا المال على ذي القرنين ليجعل لهم سداً يحميهم، فسدُ بين جبلين سيكلف الكثير من المال، وهم أيضاً يعلمون أن الحل هو السد، بل ولديهم موارد طبيعية ألم يقل لهم: "آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ... "، وأيدي عاملة، وقوى بشرية ألم يقل لهم: "... قَالَ انفُخُوا ... قَالَ آتُونِي ... "، فماذا ينقص هؤلاء القوم؟ أرضهم مليئة بالبترول، لديهم شباب، لديهم فكر، لديهم مال، وتنقصهم الإرادة، القصة الأولى قصة عدل، والثانية قصة يأس، والثالثة قصة إرادة، فهم لا يريدون الحركة رغم أنهم في كل يوم يموت منهم ، بل يرغبون في الجلوس كما هم حتى يأتيهم المُنقذ.

لعل رمضان هذا يكون بداية لمائتي عام قادمين، ولن نخجل أن نقول كلمة نهضة، بالرغم من أننا سنموت لكن يكفينا أن نضع البذور، سأطرح سؤالاً: من نحن من هؤلاء؟ أُمة ذو القرنين؟ أم الأُمة المليئة بالظلم؟ أم الأُمة المليئة باليأس؟ أم يأجوج ومأجوج؟ أم الأُمة التي لديها كل شيء سوى الإرادة؟
لسنا كفاراً، ولسنا يأجوج ومأجوج،- رغم أن هناك من يقول عنا هكذا ! ولسنا مملوئين بالظلم لهذه الدرجة الخطيرة، أنا أرى أننا يغلُب علينا الحالة الخامسة وهي الأُمة التي لديها كل شيء سوى الإرادة، رغم أن فينا من قوم ذو القرنين- لكي لا أكون يائساً.

وذو القرنين لم يستجب لأخذ مال على بناء السد، بل قال: "... فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ... " ، لأنه لو أبعد عنهم يأجوج ومأجوج بمفرده بدون مساعدتهم اليوم سيأتيهم مئات مثلهم، ويقولون أن الشعوب نوعان: شعوب غير قابلة للاستعمار، وشعوب قابلة للاستعمار فإذا تركها المستعمر تبحث عن مستعمر يستعمرها، "... فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً "، وبدأ يجمع الحديد من ألواح متساوية، "آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ... "، وآلاف يعملون لنقله كمشروع قومي لهذه البلد، وبنى ما هو أعظم من الهرم، ورفعوا الحديد وضبطوه في مكانه فلديه قوى علمية غير عادية: "... حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً "، ثم أمرهم بتسخين الحديد فهو يعرف خواصه جيداً، حتى إذا أصبح محمراً، أمرهم أن يأتوه به وهو الذي سيفرغ عليه النحاس المذاب، فبدأ النحاس المذاب ينزل على الحديد الملتهب فيتخلله حتى يَجمُد ويصبح أملس لا أحد يستطيع صعوده.

والجميل أنه قام بثلاثة أشياء، وهم قاموا بثلاثة أشياء: "آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً "، وهذا هو العمل الجماعي لمن لا يعرف كيف يعمل جماعياً، وهناك نكتة ظريفة ولكنها مؤلمة: نزل فريق ياباني ليسابق فريق عربي في السباحة ففاز الياباني بتفوق، فوجدوا أن الياباني أحدهم مدير والباقون يقلدونه أما العربي ف9 مديرين وواحدُ يقلدهم! فأصلحوا الوضع وأعادوا ففاز الياباني بمراحل، فوجدوا أن الياباني أحدهم مدير والباقي يقلدونه، أما العربي فواحد مدير و3 مديرين إدارات و4 مديرين أقسام وواحد يقلد، فقرروا اتخاذ قرار صارم بإعداد الشخص الذي يُقلد.

وتخيلوا أن معادلات ذو القرنين مسجلة في كتاب الله، وهي معادلات كيماوية وعلمية، ونحن نتعبد لله ونُصلي في رمضان ونتهجد بالقرآن، ونريد دخول الجنة. أتى يأجوج ومأجوج بعد بناء السد بصياحهم وقوتهم، وذو القرنين منتظر مع جيشه في الناحية الأخرى، وهذا معناه أنه بقي مع القوم قرابة السنة، ولماذا لم يحارب يأجوج ومأجوج؟ لأنني لو أستطيع أن أحمي بدون حرب فهذا أفضل، فليست دائماً البطولة أن تختار الحرب، وإذا كاد أن يصبح بطلاً بالحرب مثل الإسكندر الأكبر فلن يقدر على فعل ذلك، فالإسكندر لديه حب المغامرة مثل ذو القرنين.

وعندما جاء يأجوج ومأجوج لم يتمكنوا من صعود السد ولا نقره، "فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً "، ثم قال خطبته الأخيرة ونسب الفضل لله ولم يرى إنجازه ولهذا إنجازه مستمر: "قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً " فلما قال قارون: "... إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ... " (القصص78) خسف الله به الأرض، ويقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه كل يوم يأجوج ومأجوج يحاولون أن يحفروا في السد ولا يقدرون، حتى إذا جاء يوم القيامة فُتح السد وخرج يأجوج ومأجوج ليهلكوا البشرية كما في الآيات: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } (الأنبياء 96) ، وأنا لا أعرف مكانهم، ولا أين هم من الأرض، ولا لما لم تراهم الأقمار الصناعية؟ لكني أُصدق القرآن، وسيكون فتح السد من علامات يوم القيامة.

خاتمة:
خرج _النبي صلى الله عليه وسلم_ من بيته يوماً مُحمَرَ الوجه، قالوا: ماذا يا رسول الله ؟، قال: " ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فُتِحَ اليوم من يأجوج ومأجوج مثل هذا " وهذا جزء صغير لمدة طويلة! فانظر كيف حمانا سد ذو القرنين طوال هذه المدة الكبيرة! فهو صاحب فضل علينا، فأماننا وأمان أولادنا وأمانكم بسببه، ففضل ذو القرنين على البشرية جمعاء، نموذج جميل! لم نره من قبل، وهو ليس نبي أو مَلَك بل بشر مثلنا! أحببته وفهمت لما يأمرنا الله تعالى بقراءة سورة الكهف كل جمعة.
فانظروا لهذه النماذج واعلموا أي أمة أنتم؟! لتتوجهوا وتصروا على النهوض الجمعة التي تليها ولو مني وهو في طريق النهضة، ومات ذو القرنين، فتخيل جنازته! هل كانت ستمشي بها كل البشرية من مسلمين، وغير مسلمين، ومؤمنين، وغير مؤمنين؟ ولم نراه حارب في أي مرة، فليست الحرب دائماً هي البديل الصحيح، ولم نسمعه أصر على دخول قوم في الإسلام ، فالإصلاح والخير للبشر كلهم، ولهذا يوسف عليه السلام أصلح مصر وهو في السجن، وأنا أقترح أن نُعَلِم أبنائنا قصة ذو القرنين في سن السابعة إلى الثامنة، فلربما يخرج من هذا الجيل مثله، فأنا أنصح بشدة بقصة ذو القرنين وقيمه.


رابط تحميل الحلقة:
[/size][/right]


عدل سابقا من قبل فرح بغداد في الإثنين ديسمبر 21, 2009 4:58 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 4:41 pm

[size=24] الحلقة 22 - الدعاء[/size]










عبادة الدعاء:
عندما سألت نفسي ما هي العبادة المناسبة لنعلمها في ليلة من ليالي رمضان، وتكون مناسبة لهذا البرنامج؟ فتوصلت إلى عبادة الدعاء، على الرغم من ذكري للدعاء في حلقات سابقة ولكنه من احتياجات ومستلزمات رمضان، ونحن ندعوا في نهاية كل حلقة، ولكن اليوم سوف يكون الدعاء كثيراً، فهناك فرق بين أن تدعُ الله وأنت تعرف ماهيةُ الدعاء وبين أن تدعوه وأنت لا تعرف، وهنا يخرج الدعاء من قلبك فتشعر به وبقوته، لذلك فهذه الحلقة حلقة ودية حيث نعيش فيها سوياً في حب الدعاء.
شهر رمضان والدعاء:
جاء رجل إلى رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ فقال : " يا رسول الله أبعيد ربنا فنناديه أم قريب فنناجيه؟ " فنزل قول الله تعالى قبل أن يرد النبي _صلى الله عليه وسلم_ :"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ... " (البقرة186)، فكل الأسئلة في القرآن الكريم مثل: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ اٌلشَّهْرِ اٌلْحَرَامِ قُلْ.."، "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اٌلْمَحِيضِ قُلْ.."، "يَسْأَلُونَكَ عَنِ اٌلْأََهِلَّةِ قُلْ..." فيجب أن تأتي كلمة قل، أما في هذه الحالة قال:"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي..."، فلا يوجد واسطة بيننا وبينه فهو الذي يجيب، فانظر إلى الحنان والقرب الذين يتجلى في رده تعالى: "... فَإِنِّي قَرِيبٌ..."، والقرآن كلام الله لذا فأنت تسمعه سبحانه وتعالى يجيبك، ثم يقول أجيب فالإجابة هنا جاءت مبكرة حيث قال: "...أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ..."، ولم يقل أجيب دعوة المؤمن، أو التقي، أو دعوة الحاقد، ثم يقول:"... إِذَا دَعَانِ..."، أي إذا اختار هو أن يدعوني أُجيب دعوته، وقد جاءت هذه الآية في وسط آيات الصيام فجاء قبلها قوله تعالى: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ...."(البقرة 185)، وجاء بعدها قوله تعالى: " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ..."(البقرة 187).
ادعوني استجب لكم:
كان الصحابة إذا سمعوا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ "، اتجهوا بكل آذانهم ليسمعوا الآية، فهل من الممكن عندما تسمع هذه الآية أن تتجه بكل آذانك إليها ؟ وأنت تعلم أن الله هو الذي يكلمك ويقول لك :"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي..."، فانظر لكلمة عبد فكأنه قرينه فهو قريب منه يجيب دعوته وهذا القرب مرتبط بالصيام، ففي الآية بعدها يقول تعالى:" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ....."(غافر 60)، فلم يقل أدعوني فقط فهل هناك وعد أكثر من هذا؟ فمن يدخل معركة يقُل له قائده: خذ هذا السلاح واستعن به، فكلمة الدعاء ولله المثل الأعلى كأنما أعطاك الله سلاحاً وقال لك استخدمه إن احتجت شيئاً.
وهناك حديث قدسي يقولبرنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Frown يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسيته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنَكُم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما نَقَصَ ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)، وانظر لحديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ : (الدعاء هو العبادة)، فماذا تعني العبادة؟ العبادة تعني ذلُ وخضوع ُ لله، هي شعور أنك عبد وهو رب، فقد تصلي ولا تشعر بهذا الشعور لعيبٍ في نفسك، أو تصوم ولا تشعر به للهوٍ في نفسك، ولكن من المستحيل أن ترفع يديك وتقل أنا محتاج أعطيني، أنجدني أنا مكروب وخائف ولا تشعر بشعور العبودية، ولذلك الدعاء عبادة لأن الدعاء هو أكثر موقف تشعر فيه بأنك عبد.
يقول النبي ¬_صلى الله عليه وسلم_: (من لا يسأل الله يغضَبُ عليهِ)، وتقول الآية أيضاًبرنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Frown وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(غافر 60)، فقد اعتبر من لا يدعو أنه مستكبر فالدعاءُ هو ما يعطي الذلَ والخضوعَ، فلماذا لا تدعو؟ ألا يوجد لديك ما تحتاجه؟ وهذا مستحيل، ألست بشراً؟ أم أنت مستكبرُ؟ أم لا تحتاج لله تعالى؟ ولكن الله تعالى قال: (...ادْعُونِي...)، أي أنه فعل أمر يرتبط بنتيجة مضمونة وهي الإجابة.
ويقول النبي_ صلى الله عليه وسلم_برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Frown إن الله يحب الملحّين في الدعاء )، أي الذين يلحون ويعيدون في الدعاء، فإن ذهب أحدهم إلى عمرةٍ مدة أسبوعٍ أَلَحَ وأعاد نفس الدعوات كل يوم، إن سجد وإن شرِبَ زمزم أعاد نفس الدعوات، وإن ذهب لوالدته أوصاها بأن تدعو له بنفس الدعوات.
ويقول النبي أيضا _صلى الله عليه وسلم_برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Frown لا تعجزوا مع الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد)، فلا توقف الدعاء فلا أحد يضيع وهو يدعو.
فلماذا كل هذه الآيات والأحاديث عن الدعاء، إن هذا ينطوي عل فكرة مهمة جداً لأنك عبد الله ومن أسمائه الحسنى العزيز، وهو لا يريد عبده العزيز أن يخفض رأسه لأي مخلوق، وكمثال على ذلك (ولله المثل الأعلى) عندما يقول خالُ أو عمُ لك وأنت في الغربة أو فاقد لوالديك إن احتجت أيَ شيءٍ لا تلجأ لأي أحدٍ طالما أنا حيُ أُرزق.
فأنت عبد فلا تخفض رأسك لعباد مثلك بل الجأ لي، فإذا لم تأتني لغضبت عليك، كان هناك أحد التابعين يُدعى حماد بن مسلمة، كان يمشي في إحدى الليالي المطيرة في بغداد وسمع صوت إحدى السيدات تتحدث من داخل منزلها وتقول: "يا رفيق ارفُق بنا، يا لطيف الطف بنا، يا مُغيث أغثنا"، فشعر أنها لا تقدر أن تخرج من شدة المطر، فذهب وأحضر طعاماً وقدمه لها، فقالت: "ومن أنت؟ " قال: "حماد" ومشى، فقالت لها ابنتها: "يا أماهُ لمَ رفعت صوتك فجعلت حماداً بيننا وبين الله"، فقالت: "يا ابنتي ما رفعت صوتي ولكن الرفيق رفق بي فأتى به إلى الكوخ"، وهذه قصة بسيطة تعبر عما أريد قوله، ومن أكثر ما يميز الدعاء أنه يدخلك بسرعة إلى الله لأن فيه ذل وخضوع وبقدر ما تتذلل يستجاب الدعاء، فاذهب إليه بضعفك يُمدك برزّقه، اذهب إليه بِذُلّك يمدك بعزّه، اذهب إليه بفقرك يُمدك بغناه، واحكي معه قُل له ياغني من للفقير إلا أنت، يا قوي من للضعيف إلا أنت، يا عزيز من للذليل إلا أنت، و ندعوا أيضاً ونقول: "اللهم إنا نسألك بعزك وذلنا، وقوتك وضعفنا، وغناك وفقرنا أن ترحمنا".
وانظر إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ كيف كان يدعو الله، فقد كان يبسط يديه ويفتحهما وهو يدعو، وإذا كان الأمر جليا كأمر يهم المسلمين أو معركة كان يرفع يديه حتى يظهر بياض إبطيه.
ويقول النبي _صلى الله عليه وسلم_:" إن الله حيّيُ كريمُ يستحي أن يرفع العبد يديه ثم يردهما صفراً خائبتين"، فالكريم هو من يعطي دون أن يُسؤل فكيف إذا سُؤل. والحديث القدسي يقول:" أنا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ما شاء"، فكيف هو ظنك بالله؟ فليكن ظنك به أنه سيغفر لنا، وسيحقق لنا الدعوات الخاصة التي كنا ندعوه بها سابقاً فليكن لديك ثقة في الله، فهذا الموضوع من أكثر المواضيع التي وُجدت فيها الأحاديث والآيات واضحة لا تحتمل التأويل.
وهناك حديث قدسي آخر يقول: " يتنزل الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثُلث الأخير من الليل فينادي هل من مُستغفرٍ فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه، هل هناك من له حاجة فأقضيها له" يقول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "وذلك في كل ليلةٍ"، فقد تنام، أو تنسى، أو تسهو، ولكن هو كل ليلة ينادي عليك ليلبي حاجتك، فيا من لديه المشاكل والمصائب، يا زوجة يا من لم تنجبي، يا سيدات يا من لديكن مشاكل مع أزواجكن، يا شباب يا من لديكم نقص في الرزق، فلتذهب له وتدعوه، كما كان الصحابة يجهزون لشهر رمضان بمجموعة دعوات محددة ويرتبونهم ويعرفون كم مرة سوف يكررنوهم، فيقولون ندعو وندعو وندعو فوالله ينقضي رمضان ولا يأتي رمضان القادم إلا وقد أجاب الله لنا ما دعونا به.
وهذا الكلام مُجرّب، فسوف أحكي عن شيء عشته شخصياً، فكل الأشياء التي حدثت في حياتي كانت بسبب دعوات رمضان، فإنجابي الأولاد وراءه دعوات رمضان، والأعجب من ذلك كما حكيت من قبل أنني ظللت لمدة 10 سنوات لا أُرزق بالأولاد، ولكن الله رزقني بالولد بعد دعاء شديد يوم عرفات، وبعد هذه القصة كلما قابلت أحداً قال لي: لا تظن أنك وحدك ما حدث معه ذلك الموقف فهي ليست خصوصية فأنا أيضاً قد حدث معي ذلك فهذا الولد معجزة من الله وآية في الدعاء.
وانظر لسيدنا زكريا عندما قال :"...وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً"(مريم 4)،أي أنني ما دعوتك قط ولم تستجب لي، فكن متأكداً أن الله سيستجيب دعاءك ويلبي لك طلبك.
القرآن والدعاء:
والقرآن يمتليء بكم هائلٍ من الدعوات وبالأخص الدعوات الصعبة المستحيلة، فانظر لدعوة سيدنا سليمان في عصر لا يوجد به تكنولوجيا، كما في قوله تعالى: " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي..."، فهل تحققت له أم لا؟ بل تحققت وحتى الآن نراه جميعا بأعيننا، وانظر لدعوة سيدنا إبراهيم كما في قوله تعالى: " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ......"(البقرة126)، فكم عمر هذه الدعوة؟ وكم عاماً تستمر الدعوة؟ إنها تستمر ألوف السنين، فاذهب لمكة لترى الرزق وقل: سبحان الذي يُجيب الدعاء.
ودعوة سيدنا نوح تأخرت لمدة تسعمئة وخمسين عاماً حتى قال، كما في قوله تعالى " فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ* فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * َوفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ".
ودعوة سيدنا يونس وهو في بطن الحوت "...فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"(الأنبياء 87)، فاستجبنا له ونجيناه من الغرق.
فعليك بالدعاء وأن تكون على يقين من الإجابة، فانظر لسيدنا زكريا إذ قال كما في قوله تعالى:"قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ..من...."(مريم 4-5) أرأيت الثقة في الدعاء، فمن لديه هذه الثقة؟ ومن يقول أن الدعاء لا يُستجاب؟ فلا توجد دعوة لا تُستجاب فمن أسمائه تعالى المجيب، السميع، والبصير، فلتُحيي الأمل في نفسك مرة أخرى وجهز دعواتك للعشر الأواخر.
يقول عمر بن الخطاب برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Frown أنا لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء، فإذا أُلهِمت الدعاء، أُلهِمت معهُ الإجابة) وهذا الكلام يحدُثُ فعلاً، فعلى سبيل المثال: تكون مسافراً للعمرة وتقول لنفسك يارب مَكِّني من الدعاء لك كثيراً فقد تدعو الله قليلاً ثم تجد وأن كَمَ الدعاء وتركيزك وخشوعك قد بدأ يقل شيئاً فشيئاً حتى ينتهي، ولذلك يقول رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_:" من فُتِحَ له بابُ الدُعاءِ، فُتَحِت له أبوابُ الجنة"، فقضيتك الأساسية كما قال سيدنا عُمر هي الدعاء وليس الإجابة فهذا أمر مفروغُ منهُ.
يقول أبو هريرة :" كانت أمي ( وهي غير مسلمة) تتكلم عن رسول الله كثيراً وتؤذيني فيه، فذهبت حزيناً إلى رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ لأني لا أعلم ما يمكن أن يحدث لها، فقال : " مالك يا أبو هريرة؟ " قلت: " يا رسول الله أمي كذَّبتك ولم تؤمن بك وآذتني فيك فادعُ الله أن يهدي أمي "، فقال النبي: " اللهم إهد أم أبي هريرة، اللهم إهد أم أبي هريرة "، فقال: " فرجعت مُستبشراً بدعوة النبي _صلى الله عليه وسلم_ ولكن يحدوني الهم، فطرقت الباب فقالت: " من؟ " ، فقلت: "أبو هريرة"، فقالت: "مكانك"، ثم فتحت لي وقالت: " اسمع يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله "، فبكيت وعدت إلى رسول الله وقلت له: " يا رسول الله لقد استجاب الله دعائك فقد أسلمت أمي "، فقال: " الحمد لله"، فقلت: " يا رسول الله اُدعُ الله أن يُحببني أنا وأمي إلى المؤمنين ويُحبب المؤمنين إلينا "، ثم يقول: " فما سمع بي مؤمن في المدينة إلا وأحبني منذ ذلك اليوم ".
الشيطان والدعاء:
وهنا يأتي السؤال هل تتذكر كم دعوةٍ دعوتها وأجيبت لك؟ فالمشكلة الكُبرى أن الشيطان يُنسيك، فقد كنت سابقاً تدعُ الله ويُستجاب لك ليس في الحال، ولكن بعد مرور عدةِ أيامٍ ولكن الشيطان قد أنساك هذا، ولماذا ينسِك الشيطان هذا؟ لأنه يعلم أن معك سلاح قوي جداً فلو علمت أن دعوتك تُستجاب تكون قد عرفت الطريق للمجيب السميع البصير، لذا ينسيك ويوهمك بأن أحداث الزمن هي التي حققت لك دعائك.
أوقات إجابة الدعاء:
نحن الآن في أيام إجابة الدعاء وهي العشر الأواخر من رمضان، والتي من أوقاتها أيضاً الثُلث الأخير من الليل، وليلة القدر، والصائم عند فطره، وأثناء العمرة والحج، فها أنت لديك خمس أسباب تجعل من دعوتك دعوة مستجابة هذه الأيام، فاللصائم عند فطره دعوة لا تُرد ، وتتجلى عظمة الخالق في ناحية أخرى، فلو جئت الآن وطلبت منك أن تفعل شيئاً لي وجاءك شخص آخر أثناء حديثي معك يطلب منك طلباً آخر سوف تقول له أن ينتظر حتى تنتهي من حديثك معي ثم يستطيع أن يطلب منك ما شاء، فسبحان الله الذي لا يشغله سمعٌ عن سمع ، والذي في هذه الليالي العظيمة يطلُب الملايين منه طلبات مختلفة ويلبيها جميعاً، وهنا ترى العقيدة التي اكتسبها المسلمون بالفطرة فلا تجد أن أحداً يطلب من الآخر أن لا يدعو الله حتى يدعوَ هو فقط لأن كلنا موقنون أنه يسمعنا جميعاً.
هل تعرف أن أكثر طريقة تذل بها نفسك لله تعالى هي الدعاء، وأكثر طريقة تُشعرك بقربك منه هي أيضاً الدعاء.
شروط إجابة الدعاء:
هل تريد أن يُستجاب لدعائك؟ إذن فاحفظ هذه الأشياء الأربعة والتي علّمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1. اليقين في الإجابة: فكيف تريد المجيب أن يستجيب لك إن كنت لا تصدق أنه يستطيع فعل ذلك، فالرسول _صلى الله عليه وسلم_ يقول: " ادعوا الله وأنتم موقنون في الإجابة " مهما كان ما تريده بعيداً وصعب المنال، لذا أريد منك أن تزيد نسبة يقينك فلا تكون أقل من 99% فالرسول _صلى الله عليه وسلم_ يقول:" إن الله يقول إذا دعا أحدكم فلا يقل ربي لو شئت " فلا تدعو الله وتقول إن شئت أعطيتني سيارة كذا وكذا بل اعزم في المسألة.
2. الخشوع أثناء الدعاء: فالنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول:" إن الله لا يستجيب من قلب غافل لاهٍ" فلتتخيل شخصاً يريد أن يرمي سهماً ولكن القوس مرتخي فسوف يسقط السهم تحته مباشرةً، لذلك يقول الله تعالى:"أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ...."(النمل 62)، فلماذا المضطر؟ لأنه خاشع ولديه نائبه، وفي هذا يقول عبد الله بن عمر:" أنا أعلم متى يُستجاب دعائي"، فقالوا له:" كيف ذلك "؟ قال:" إذا خشع القلب واهتزت الجوارح ودمعت العين أقول هذا وقت إجابة الدعاء" يقول أحد الصالحين:" مثل المؤمن حين يُستجاب دعائه كمثل رجل في بحر هائج تحطمت به سفينته فتعلق بخشبة، يريد النجاة من الأمواج فيقول:" "يارب، يارب"، فهكذا مثل المؤمن حين يُستجاب دعائه".

3. عدم الاستعجال: فالنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول:" يُستجاب لأحدكم ما لم يستعجل" فكيف يستعجل؟ بأن يقول دعوت الله ودعوت ودعوت فلم أرَه يُستجب لي فيترك الدعاء فلا يُستجاب له، وهذا كأن يقوم شخص ما بزراعة نبتة تحت الأرض فيسقيها ويرويها المرة تلو الأخرى حتى يَمَلّ بعد مرور أسبوع لأنها لم تنبت خارج الأرض بعد، فهناك بعض الأشجار تنبت بعد مرور عشرين عاماً فيتركها على الرغم أنها كانت على وشك الخروج ، لذا فإياك والاستعجال فهناك بعض الدعوات يدعوها الفرد عشرة أعوامٍ حتى يُستجاب لها ، فقد تتأخر الإجابة لمصلحتك وقد تتأخر لأن زمانها لم يأتِ بعد، وقد تتأخر لأن الله يريد أن يسمع صوتك فهو يريد أن يعلمك أن ترجع إليه كثيرًا، فربما إن أجابك سريعاً لن تأتِ إليه غداً، لذا فأنت تحتاج إلى بعض التدريب على القرب منه، فيسأل سبحانه وتعالى الملائكة:" يا ملائكتي أدعاني عبدي؟ يقولون: نعم ياربي، يا ملائكتي هل ألحّ علي عبدي؟ فيقولون: نعم ياربي، يا ملائكتي أخروا مسألة عبدي فأني أحب أن أسمع صوته"، فالدعاء عبادة جميلة وهي من أحلى وأرق العبادات، ففي بعض الأحيان خمس دقائق دعاء بقرب وذل شديدين تُعادل صلاة تراويح، فأحياناً تخاطبه وأنت ساجد وتقول يارب فتحس كأنك مالكٌ للدنيا وما فيها، وتحس بأن قلبك هو الساجد وبأنك لا تريد القيام من السجدة.
4. أكل الحلال: فقد ذهب سعد بن أبي وقاص إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقال:" يا رسول الله ادعُ الله أن أكون مُستجاب الدعوة "، قال: " يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة" فبدأ في التركيز أكثر فأكثر في أكل الحلال فكان لا تُرَدُّ له دعوة "، بعض الناس يقولون لقد صعّبت هذا الأمر علينا فنحن لدينا بعض الشكوك، أقول لهم تصدّقوا كثيراً هذه الأيام، ولذلك يوصي بعض العلماء أن تجعل قبل دعائك صدقة حتى يتطهر مالك، يقول النبي _صلى الله عليه وسلم_برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Frown إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر- ودعوة المسافر مستجابة، فهو مستوفي لكل الشروط- فيرفع يديه ويقول يارب يارب- عشر مرات- ولكن مأكله حرام وملبسه حرام وغُذّي بالحرام فأنّى يُستجاب له)، لذلك يكفيك مع أكل الحلال القليل من الدعاء فيستجاب لك.
فلتحافظ على الشروط الأربعة لتضمن الدعاء والإجابة إن شاء الله، فكلما وجدت لحظات خشوع وعينك تدمع فعليك بالدعاء، فهذه لحظات إجابة، ولتنظر لقصة سيدنا زكريا، فكان كلما دخل على السيدة مريم المحراب وجد لديها رزقاً، إما طعام أو نعم من عند الله أو خضوع وخشوع وبكاء وكل هذا رزق من عند الله ، فالآية تقول: " هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ...."(آل عمران 38)، فعندما رأى آيات من الله وقرب من الله رغم أنه ليس معه ولكن أحياناً عندما ترى شخصاً يعبد الله يرق قلبك وفي هذه اللحظة دعا زكريا ربه عندما رأى معجزات وآيات من الله "...... قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ"(آل عمران 38-39)، فأينما تجد هذه اللحظات ادعو الله وقد تجدها في ليلة 27 من رمضان أو الليال الوترية من شهر رمضان أو وأنت تقرأ القرآن أو وأنت تقود السيارة ويرق قلبك فجأة فانتهز الفرصة وأدعو الله ولا تقل يجب أن أكون جالساً بل تكلم مع الله بما يجول في قلبك وليس من الضروري أن يكون الكلام مُسترسلاً مُنمقاً بل يكفي أن تناجي الله بما في قلبك باللغة العامية وليست الفصحى بالضرورة، فقد أتى رجل إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقال: "يا رسول الله أنا لا أجيد دندنتك ولا دندنة معاذ"، فقال له:" فماذا تقول أنت يا رجل؟ قال:" أقول اللهم إني أسألك الجنة، اللهم نجني من النار "، فقال النبي: " حولها أدندن أنا ومعاذ ".


رابط تحميل الحلقة:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 4:47 pm

الحلقة 23 - سيدنا لقمان

عظمة ومكانة سيدنا لقمان في القرآن:
فاليوم نتحدث عن الأبناء والآباء، ونبدأ من أول قصة لُقمان، فهناك سورة قرآنية سُميت باسمه، وهذا يدل على الشرف والمكانة والتكريم، فهذا الكتاب مُعجزةُ من الله تعالى، فالبحر، والسماء ، والنجوم ، والقرآن ، وكل حرف في القرآن أيضاً معجزة. فتخيل عندما يذكر الله اسم شخص فى القرآن وليس فقظ اسمه، بل يجعل له سورة باسمه، ويذكره أيضاً بِأنه حكيم. فما هذه المكانة!! فنحن دائما نقول بأن لقمان حكيم، وهذا ما ذُكر في القرآن عندما قال الله تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ...." (لقمان12). فالقرآن يشهد له أن ربنا أعطى له الحكمة . فهذا الرجل حكيم، وهذا أول شيء سأقف عنده. فالحكمة شيء غالي جداً، ولكنه مفتقد جداً. يقول الله تعالى: " يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ...." (البقرة269). فما هي الحكمة؟ هي كلمات حق، وخيرٍ، وصلاحٍ، وهدايةٍ، تُنير وتحيي حياة بني آدم، وتُقال فى الوقت المناسب، وفى المكان المناسب للشخص المناسب. فمن الذي لديه الحكمة؟ إنني لن أتحدث الآن عن الآباء والأبناء، ولكن أتحدث عن لقمان الحكيم. جاءت الحكمة فى القرآن عشرين مرة، وهذا يدل على عظمتها ومكانتها، وبدأت السورة بوصف الله تعالى للقمان بأنه حكيم، وكأن حكمته نور وقَبس من حكمة وعظمة القرآن. فهل تقرأ القرآن كثيراً أَم لا؟ هل أخذت من حكمة ونور القرآن شيء؟ هل تتعامل مع الناس في الوقت الصحيح والمكان المناسب؟ أنا لن أقول أن كل الناس تستطيع أن تأخذ الحكمة، بل قليل منهم؛ لأنها تحتاج إلى بذل مجهود وأشياء أخرى سأقولها بعد قليل.
فالحكمة غالية، ولقمان حكيم، والحكمة هى كلمات نور، وخير، وإصلاح، وهداية، تُقال في الوقت المناسب، في المكان المناسب، للشخص المناسب، تُحيي به بني آدم. ومن الممكن أنك أحياناُ لا تعلم كلمة الخير التي تخرج منك، ولا تعلم أيضاً لمن ومتى تقولها؟ ؛ لأنك مُفتقد الحكمة ، فالحكمة شيءُ كبير، ولكن للأسف كثيرُ من الناس يفتقدها، وهناك آخرون يتحركون ويأخذون بأيدي غيرهم وهم يفتقدون إليها أيضًا.

كيف أخذ لقمان هذه الحكمة؟
لكي تكون حكيماً، ويعطيك الله الحكمة فيجب أن يكون لديك أربع أشياء:
1. التفكر في خلق الله، فالتفكر أيها شباب ليس عبادة فقط، بأن تنظر في خلق الله فتحبه، فهي الأصل، ولكن لها علاقة بشيءٍ آخر، فإنها توسع أقكار العقل وتجعله مُتفتحاً فيامن تعيشون في الغرب، وتتمتعون بالأماكن والمناظر الطبيعية الرائعة، إذا لم تستفيدوا من هذه الأماكن لكي تروا عظمة الله، وتنطلق العقول مع رؤية هذا الكون الهائل عندما تتفكر فيها، فلن تفتتح عقولكم؟
2. العلم والقراءة، فعندما تقرأ كتاباً، فإنك تأخذ حكمةَ وعقلَ شخصٍ آخر وتضعها فى عقلك، فمثلاً إن قرأت خمسين كتاباً، فأنت بذلك قد أخذت عقل وحكمة خمسين شخصاً بداخل عقلك، فكُلما تقرأ كتاباً كُلما تحفر بئر بترول في عقلك، مثال آخر: شخص ألَف كتاباً بعد عشرين عاماً، فهذا الكتاب فِكرُ عشرين عاماً، لماذا أعطاه لنا؟ إما أنه يريد أن يحصل على المال؟ أو لعله يريد أن يوصل فكرتُه للناس ، وهذا من حقه، وبعد أن تقرأ أنت هذا الكتاب وتقوم بإدخاله في عقلك فأنت بذلك أصبحت حكيماً، فيا أيها الشباب، لا توجد حكمةُ بدون قراءة على الإطلاق.
3. الاحتكاك، فكان لقمان عبد، ثم أصبح أجير، ثم مُدبر، ثم قاضٍ، ثم قاضي قضاة، وكان يسافر في الأرض ويختلط بالناس، فيا أيها الآباء والأبناء، اجعلوا أولادكم يعملوا في الصيف حتى ولو كنتم أغنياء، يجب على الابن أن يتعب ويشقى في الدنيا، ويا أيها شباب لا تجلس فى الصيف دون عملٍ واضعا يديك على خديك، يجب أن تتحرك وتتعب وتعمل وتتعلم وتسافر وتختلط بالناس، أعلمت كيف تأتي الحكمة؟ "يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ..." (البقرة269). فيا سعادته وفرحته الذي أوتي الحكمة "...فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ....". فالذي يمتلك هذه الحكمة، لديه شيء كبير جداً.
4. تنزل بين الناس ويكون عندك نيةُ الإصلاحِ، فلن تخرج الحكمة إلا إذا بذلت الجهد في الإصلاح، فإذا احتككت وتعايشت مع الناس فستفهم احتياجاتهم، وتقول الكلام المناسب، في الوقت المناسب، للشخص المناسب. فكثيراً من الناس لديهم الكثير من العلم، ولكنهم لم يعرفوا احتياجات الناس فيقول الشخص كلاماً لم يكن مناسباً لاحتياجات الناس فيؤدي إلى شيئين: إما أن يسمعوه وتطرب له آذهانهم، أو لا يفهمون منه شيئاً ولكن لقمانَ تعايش بين الناس واحتك بهم ففهم احتياجاتهم، فأصبح لقمانَ الحكيم الذي يستحق أن يُذكرَ في القرآن العظيم "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ...."لقمان12. وبعد ذلك قيل له "... أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ... ". فهذه الحكمة لم يأخذها الكثير من الناس، يا لقمان كثيرُ من الناس حفظوا نصوصاً، ودرسوا جيلاً، لكنهم ليس لديهم هذه الحكمة، فهذه نعمة من عند الله، ويجب أن تشكر الله عليها.

حكمة وحياة سيدنا لُقمان:
كان لقمان في بداية حياته عبد فقير، وبسيط، حبشي من النوبة، والآن سنعرف كيف أن تربية الأبناء ليس لها علاقة بالغنى أو الفقر. يا أيها الناس البسطاء المستورون، لا تظنوا أن التربية السليمة مرتبطة بالغنى، فالتربية السليمة هى الأخلاق ، والقيم التي ليس لها علاقة بالفقر أو الغنى، فلقد بدأ لقمان حياته عبداً حبشياً بسيطاً يعمل نجاراً، ولكن حكمته هي التي حررته من العبودية. كيف ذلك؟! لقمان عبد، يعمل عند سيده ، فقال له سيده: "يا لقمان، اذبح عجلاً أو خروفاً، وخذ أطيب ما فيه". فذهب لقمان وأخذ القلب واللسان. فقال له سيده:" اذهب، وخذ أخبث ما فيه". فأخذ له لقمان القلب واللسان. فقال سيده:"ما هذا؟" فقال لقمان:" ياسيدي، وما أطيب ما في الكون إن طاب، وما أ خبث ما في الكون، إن خَبُث!". فقال له:" اذهب، فأنت حُر". وللأسف الشديد أن معظم الناس يسعون لتجميل وجوههم وأشكالهم الخارجية، ولكن من الذي يسعى لتجميل ما بداخله؟ فكل البنات يقفن أمام المرآة ويصبغن شعورهن ويهتممن بشكلهن، ولكن من منهن تسأل نفسها هل هي جميلة بداخلها أم لا؟ فمن الذي يسأل عن الدُرِ؟! هناك جبل يُطلق عليه- جبل الجليد- مساحة هذا الجبل 20% فوق المياه و80% تحت المياه، فمعظم الناس ينظرون للـ20%، ولكنهم لا ينظرون للـ 80%، بالرغم من أن الجبل بدون الـ 80% ينهار ويسقط. فالذي يُشغَلُ نفسهُ من الخارج وينسى ما بداخله سينهار ويسقط، وأنا أحدث البنات خاصة، وأيضاً الأولاد الذين يذهبون إلى صالة الألعاب الرياضية ((gem وهم حريصون على أشكال عضلاتهم وأجسامهم وقوتهم، لذلك كان النبي- صلى الله عليه وسلم- عندما ينظرأمام إلى المرآة يقول: "اللهم كما أحسنت خَلقي، فأحسن خُلقي". جميل جداً حكمة لقمان فأطيب ما فيها، إن طاب، وأخبث ما فيها، إن خبُث. فلسانك معرفة قلبك؛ فهو يُخرج ما في قلبك، فانظر ماذا يُخرِجُ لسانُك؟ فهل لسانُك معرفة قلبك؟. هل تريد أن تعرف نوع الشخصية التي أمامك؟ فانظر إلى ما يقوله الشخص، فاللسان هو معرفة القلب والذي يُخرجُ ما بداخل الإنسان، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:"إن في الجسد مُضغة، إذا صلُحت، صلُح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب."

بعد أن حرر لقمان، قرر أن يُهاجر من مصر إلى فلسطين، فلماذا ذهب إلى فلسطين؟ ومن الذي كان في ذلك الوقت فيها؟ إنه سيدنا داوود ، فلقمان جاء في وقت سيدنا داوود، فكان يقود أمة، وأتاهُ الله الحكمة والمُلك، يقول الله تعالى: "وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ " (ص20) لذا سيدنا داوود لديه الحكمة، وأتاهُ الله المُلك الشديد، وسيأتي بعده ابنه - سيدنا سُليمان- ليبني أقوى مملكة في تاريخ بني إسرائيل ويقول: "... وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ....". فجاء لقمان في وقت داود وهاجر ووصل إلى فلسطين، واشتغل أجير عند سيدنا داوود، ومن هنا تظهر شخصيتهُ وحكمته ببذل الجُهد، فالذي لديه حكمة سيعلو ويرتفع، وبدأ سيدنا داوود يُلاحظ عليه أنه إنسان متميز، غير عادي، وكان سيدنا داوود يُعلِمُ صناعة الدروع ويصنع أمامه الدرع، فأراد لقمان أن يعرف ما هذا الذي يصنعه سيدنا داوود؛ لأنه أول مرةٍ يرى هذا الدرع، ولكنه صبر ولم يسأل عنه إلا في الوقت المناسب، وبعد أسبوع قال سيدنا داوود:" ونِعم الدرع للحرب"، ففهم لقمان ماذا كان يصنع سيدنا داوود، فالصمت من الحكمة. كيف؟! بأن تصمت في الوقت المناسب، وتتكلم في الوقت المناسب. وكان سيدنا داوود في هذا الوقت يحتاج إلى حُكماء يقومون بتربية الجيل الجديد؛ لأنه كان يبني أمة ودولة، فهل يوجد في بَلدنا حُكماء يقومون بتربية الجيل الجديد؟ هل يوجد رموز للإصلاح؟ أم أنها هاجرت و تحطمت؟! ولمصلحة من الرموز لا تكبر؟ هل لمصلحة الجيل القادم؟ أليس هذا حرام؟ لكن سيدنا داوود فعل عكس ذلك، فكان يبحث عن الحُكماء ليُربي سُليمان، وجيل سليمان الذي سيقودُ فيما بعد، فداوود ما زال عظيماً، ولكن يوجد من هو أعظم منه وهو - سيدنا سليمان- والجيل القادم، وهذا الجيل يحتاج إلى إعدادٍ كبير، وكثيرُ من الحُكماء، يقولون أن لقمان : " انتقل من عبد لأجير لمربي بني إسرائيل " وبذلك أصبح لقمان حكيم من حكماء بني إسرائيل. ومن ثم فقد انتقل إلى مُهمة كبيرة، وهي أنه سيُشارك داوود في صناعة جيل النهضة (سليمان، وابن لقمان، وجنوده). وكأن الله كرْم المعلمين، وجعل لقمان مثل يحتذى به من قِبل المربيين، فيجب على كل معلم أن يشعُر بأنه لقمان، وليس بأنه معلم؛ يأخد المال، ويعطي دروس خاصة.

كفاح وجوهرية دور لقمان كالأب:
وبدأ لقمان يُربي بني إسرائيل، فيختاره داوود لمُهمة عظيمة، بأن يكون قاضٍ لبني إسرائيل، ثم يصبح قاضي قضاة بني إسرائيل، أتتخيل هذا؟ مِن عبد إلى قاضٍ!! وأيضا كان داوود مثله، فكان في البداية راعٍ للغنم، ثم قتل جالوت، ثم".... وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ " ، ثم قاد بني إسرائيل فصار أبا سليمان. ما أرغب في قوله: أيها الشباب، اجعلوا الأمل في قلوبكم واسعوا، فالعبد أصبح قاضي قضاة، والراعي للغنم أصبح نبياً حكيماً. لذا فسيدنا داوود ولقمان لم يصلوا إلا ببذل الجهد، والعمل، والإنتاج، والعبادة، والصلة بالله تعالى، فاتعب، وتعلم، واقرأ، واعمل، وسافر، وتحرك ولا تُضيِّع وقتك، والله يساعد الذين يعملون ويكدحون ومثال ذلك لقمان. فلقمان الآن أصبح قاضي قضاة بني إسرائيل، متزوج، لديه أبناء فلك أن تتخيل كم النزاعات والجدل والمشكلات لبني إسرائيل، لذا فعمله شديد الصعوبة.

فلنترك كل هذا ونتطرق للموضوع. وهو ذكر القرآن للقمان وهو يُربي ابنه، ولكن لم يذكُر حكمته مع بني إسرائيل، فلماذا؟! لأن لقمان لم ينسَ ابنه، بالرغم من المشكلات التي يواجهها وحكمته العظيمة لبني إسرائيل، وبالرغم من اهتمامه ببني إسرائيل، إلا أن ابنه كان في أول اهتمامه. ولكن أين ذكرت حكمته ؟ ذُكرت مع ابنه. لذا فسر تشريفه في القرآن اهتمامه بابنه. وهل ذكر القرآن باقي حكمته؟!! نعم ذكرها لنا في أثناء حديثه مع سَيده ، فماذا يريد الله منا؟ أول درس- كلمة للآباء- جوهرية دور الأب. يا أيها الآباء ألغوا التوكيلات الذي أوكلتموه لزوجاتكم. كان الأب منذ عشرين عاماً يُشارك الأم في تربية الأبناء، ولكن في العشر سنواتٍ الأخيرة حدث توكيل وتفويض، حيث أن الأم تُربي، والأب يعطي المال، وهم متفقون على ذلك، ودلالة على ذلك عندما ينحرف الابن أو يدمن المخدرات، فماذا يفعل الأب؟ يقول للأم:" ماذا أفعل؟ فأنا أعمل وأدخر لكم المال، فما هو دورك؟" وتبدأ الأم في الدفاع عن نفسها وكأنها أخطأت، ولكن كان يجب عليها أن تقول له: "وما هو دورك أنت أيضاً؟" بمعنى نحن الاثنين مسؤلان عن التربية، هل حقاً دور الأب الإتيان بالمال، والأم التربية؟ أم الاثنان مشتركان في التربية؟ أرأيت يوماً شخصاً يجدف في مركبة بمجداف واحد؟! بالطبع لا يستطيع أحد ذلك، فسيدور حول نفسه، لذا فيجب أن يتحركَ كلا من الأب والأم سوياً.

يا أيها آباء، إن لقمان لم يكتفي بحكمته مع بني إسرائيل، وأنه يؤدي دوراً عظيماً في بلده، ولكنه جعل ابنه أول اهتماماته، لذا فما قيمة حكمتك عندما تُصلح الكون، والفوضى عارمة في بيتك؟!! أين الحكمة في ذلك؟! يقول مصطفى الرافعي حكمة جميلة: "إن من الفوضى والضياع، بأن تنظم الكون من حولك، وتترك الفوضى في بيتك". أرأيتم سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل، هل يوجد أحدُ الآن منشغل مثل سيدنا إبراهيم؟! يقول الله تعالى: " فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ...."(الصافات102). بمعنى أنه عندما كبر سيدنا إسماعيل وأصبح مع أبيه. قال له: "... قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ..." (الصافات102). أرأيتم العلاقة التي بين الأب وابنه؟ فما هو دور الآباء؟!! سأرسد لكم قصة لعلكم تعلمون مقصدي، أعرف شاباً كان في ااثانوية ، وكان حارس مرمى يلعب كرة قدم مع فريق مدرسته، وكانت هناك في ذلك مباراة نهائية بين مدرسته ومدرسةٍ أخرى، فدعوا الآباء ليُشاهدوا المباراة، فجاء جميع الآباء ليشاهدوا المباراة، ولكن كان أباه منشغلاً عنه، فترجاه ليأتي معه هذه المباراة، وبعد محاولات كثيرة من قبل العائلة، ذهب معه، وعندما نزل الشاب إلى المباراة، رأى والده يتحدث مع من بجانبه ، والشاب يريد منه أن يراه ويشاهده، فحاول أن يقوم بأي استعراض؛ لكي تصفق له الناس ويراه أباه، ولكنه ظل منشغلاً عنه، وبعد ذلك جاء رجل إلى أبيه، وهمس في أذنه؛ مما جعله يترك المباراة وينصرف، فيقول الشاب:" وعلى الرغم من ذلك أكملت المباراة ولكن وأنا أبكي ولم انسَ هذه اللحظة"، وتوفى أبيه بعد عشرين عاماً، وذهب الشاب إلى قبره، وقال لوالده في نفسه:" أنا لم أفعل لك شيء، ما الذي كان أهَمُ مني"؟!!. كنت أريد أن أعانقك". فيا آباء تعلموا من هذه القصة، واعلموا أن الله لم يذكر إلا حكمة لقمانَ مع ابنه، ولم يذكره في القرآن إلا "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ...."(لقمان13).

ذهب بعض الأمريكيون منذ حوالي عشرُ سنين إلى السجناء، وقالوا لهم: "أتودون أن ترسلوا برقية وبطاقات مُعايدة لأمهاتكم في عيد الأم؟" فأقبل جميع السجناء، وأرسلوا الكثير من البرقيات لأمهاتهم، لدرجة أنهم اشتروا كميات كبيرة من البطاقات والبرقيات، وعندما سألوا السجناء في عيد الأب نفس السؤال رفضوا أن يشتروا البرقيات. فأجرى الأمريكيون دراسة، واكتشفوا أن كثير من السجناء يشعرون أن آبائهم هم السبب؛ لأنهم لم يهتموا بهم. واعتذر؛ لأن بي وجع – فسببت لكم الآلام فيا أيها الأب إن ابنَكَ بحاجة إليك، ورعايته ستدخلك الجنة، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:" لئن يؤدب أحدكم ابناً، خيراً من أن تتصدق بطاعة".فتخيل كل يوم تُربي فيه ابنك، كأنك تتصدق. يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-:" لا يغرس رجل غرساً، فيأكل منه طيراً أو إنسان، إلا كُتب له به ثواباً يوم القيامة" فكيف بثواب الذي يغرس ابنه؟ فإنك تغرس ابن يعبد الله ويطيعه، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:"من كان له ثلاث بنات، فيؤدبهُن، ويُكرمهُن، ويرحمهُن، كُنا له ستراً من النار".

رسالة للأباء والأمهات:
1. جوهرية دور الأب (هذا الذي تحدثنا عنه من قبل).
2. الأب والأم القدوة، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ " (الصف 2-3). فلقمان الحكيم لم يفعل ذلك على الإطلاق، فهل أنت قدوة وأنت تأبى أن تعظ ابنك وتنصحه، فأفضل وسيلة تعظ بها ابنك أن تصمت، وتكن قدوة في نفس الوقت، فابن لقمان يرى كيف يتعامل أبوه مع أمه، وكيف يتعامل مع الناس، ويرى أخلاق لقمان. فهل أنت مَثلُ أعلى لابنائك؟ هل أنت حريص عليهم؟ هناك مثل سوري جميل جداً يقول:" عدْ لمائة قبل أن تكذب على الناس، وعدْ لمليون قبل أن تكذب أمام ابنك، وعدْ لمليار قبل أن تكذب على الله". فهل أنت أب قدوة؟ هناك مدرس كان يسأل الطلاب يوماً ما: ماذا يريد كل طالب أن يعمل؟ وكانوا على بلد حدودية مع بلد ثانية، وكان منتشر فيها تهريب البضائع، فقال له طالبُ:"أريد أن أصبح مُهرباً". فضحك الطلاب، والطالب لم يفهم لماذا ضحكوا عليه!! فالولد بريء يريد أن يكون مثل أبيه مُهرباً. كان سيدنا علي بن أبي طالب جالس مع سيدنا عُمر بن الخطاب، وعندما رأى سيدنا عمر الغنائم آتية من فارس، لدرجة أن جزء بسيط من الجواهر التي تستطيع أن تضعها في جيبك، موجودة في مكانها بالمسجد، فقال سيدنا عمر:"إن قوماً أدوا لي هذا، لأُمناء."، فرد عليه علي بن أبي طالب قائلاً:" يا أمير المؤمنين، عَفوت فاعفوا، ولو ركعت لركعوا". فنحن نُحدث الحكماء، والمسؤلين، وأيضاً أنفسنا وللآباء، فقبل أن تلوم ابنك أو ابنتك على ذنبٍ اقترفوه، لُم نفسك فإذا عَفوت فاعفوا، ولو ركعت لركعوا.

مواعظ لقمان:
انظر إلى الآيات التي يعظُ فيها لقمان ابنه، إنها صفحة كاملة من القرآن تتحدث عن مواعظ، فإن لم يكن لقمان قدوةً وحكيماً، فلم يسمعه ابنه؟ فأين الأب والأم القدوة؟ أريد من كل أب وأم أن يتعلم من هذه الآيات كيف يُربي ابنه؟ وأريد من كل ابن أن يعرف كيف يتعامل مع أبيه وأمه؟ " وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ* وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ* يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ* وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ""
ما معنى هذه الآيات؟ وما هي الأولويات التي أُربي بها ابني؟ وكيف جعل لقمان ابنه يصغي إليه؟ فيا آباء ويا أمهات، كيف نجعل أبناءنا يستمعون إلينا؟ فالأباء والأمهات بحاجة لتعلُمِ حكمةُ لقمان، والأباء يعظون وينصحون أبنائهم ولكن بلا جدوى ، فعلينا أن نفكر كيف ومتى ننصح أبناءنا، نحتاج للأب الصديق الذي يُصاحب ابنه وابنته، فيخرج معهم، مثالُ: أنا وابنتي نخرج معاً، أو أصحب ابني-البالغ 6 سنوات-وألعب معه أي رياضة، أنا وابني أصدقاء، فنحن نُعلُِم الأب المُربي، والأب الموجه، ولكن هل يوجد الأب الصديق الذي يستمتع بصحبة ابنه؟!! وهل يوجد الأب والأم اللذان يُصاحبان ابنتهما وابنهما، ويتحدثون مع بعضهم البعض، ويتبادلون الآراء سوياً؟! لذا فنحن بحاجة إلى الأب الصديق خاصة في هذا الزمن، قبل أن تُفاجيء بكارثة حدثت لهم.

يا أيها الآباء والأمهات، إياكم أن تلجأوا للموعظة { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ..{ فهناك أمر مهم جدا قبل الوعظ ألا وهو هل سيسمع الابن منك أم لا؟ هل أنت أب صديق وحريص على هذه الصداقة أم لا؟ فالأب الصديق الذي يفهم احتياجات ابنه وابنته بمجرد نظرة من أعينهم، فمثلاً عندما جاءت زوجة موسى إلى والدها وقالت له "... يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " (القصص26)، فذهب والدها إلى سيدنا موسى وقال له: "إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين". فالأب فهم احتياجات ابنته عندما قالت له أنه شاب قوى وأمين، وأيضاً الأب الصديق كالنبي- صلى الله عليه وسلم- والسيدة فاطمة، فكان يقبلها في رأسها عندما يدخل أو يخرج من المدينة، وكان لا يدخل المدينة إلا إذا قام بزيارتها، وكانت بينهم علاقة خاصة وحميمة، وقبل أن يموت قال لها سر في أذنها، فبكت، ثم قال لها سر أخر، فضحكت. فقالت لها السيدة عائشة: "ماذا يخبرك؟" فقالت لها:" ما كُنت لأفشي سر رسولِ الله". وبعد وفاة رسولِ الله، قالت لها السيدة عائشة:" ماذا كان يُخبرك رسول الله؟". فقالت فاطمة: " قال لي أول مرة، إني ميت الليلة، فبكيت، وقال لي ثاني مرة، أنتِ أول أهلي لحوقاً بي، فضحكت." فكان من الممكن أن يقول رسول الله للناس إنه ميت الليلة، ولكن توجد علاقة حميمة بينه وبين ابنته، فهل يوجد الآن هذا الأب الصديق؟! وأيضاً عندما قال سيدنا إبراهيم لابنه - سيدنا إسماعيل- "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ " (الصافات102) تخيل إذا كان قد قال سيدنا إسماعيل لا أريدك أن تذبحني، هل كان يذبحه ؟ نعم سيذبحه لأنه أمر من الله تعالى، ولكن لماذا قال له "فَانظُرْ مَاذَا تَرَى.."؟! لأنه يوجد علاقة حميمة تسمح لهم بالمناقشة في كل شيء، وعندما قال سيدنا إبراهيم: "يا بني إن الله أمرني أن ابني له بيتاً" فقال له سيدنا إسماعيل :" يا أبتِ، اطع ربك." فقال له:"وتُعينُني؟" فقال:"وأعينُك". وبنوا البيت سوياً.

أولويات وصايا لقمان:
ونستكمل الآيات "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم" (لقمان13) فتوجد أولويات لتربية الأبناء مثل:
1. معرفة وحُب الله، أول شيء ستغرسه في أولادك حُب الله... كيف؟ نحن جميعاً نعمل بشكلٍ نظري، ولكن علمتنا الآيات شيئين: شيء نظري، وشيء عملي، فالنظري مثل "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم" والعملي بعدها بآيتين "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير" " فبينما كان لقمان يمشي مع ابنه في الطريق، رأوا حبةٍ من خردل، ليس لها أي قيمة، فألقاها بين الصخور، وقال له:"إن الله تعالي مُطلع عليها" فلقمان يُعلم ابنه اسم الله الرقيب، والسميع، والعليم، وذلك من خلال شيء عملي. لذا فأنت مُطالب بأن تغرس حُب ِالله، ومعرفة عظمته في ابنك، وذلك عندما يبلغ من العمر خمس سنوات، ثم تطبقها عملياً، يا أيها الآباء والأمهات، كيف يصلي ابنك ويتقرب من الله وهو يراك على خلاف ذلك؟!! فتخيل ابنك استيقظ من النوم؛ لكي يشرب، ورأى والده يُصلي الفجر، فإنها أقوى موعظة عن الصلاة، وأكثر من ألف درس موعظة للصلاة، أعلمت كيف تغرس معرفة وعظمة الله في ابنك؟ بالكلام النظري، وبالتطبيقات العملية.
2. بر الوالدين، إنها ثاني وصية " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ...." (لقمان14) فأول وصية وصاها لقمان لابنه أثناء حديثه عن بِر الوالدين، وصيته عن أمه، فيا حبذا عندما يراك ابنك تتحدث عن أمه بكلامٍ طيب، فيا أيها الآباء والأمهات لا تظهِروا مشاكلكم أمام أبناءكم؛ لإنك تعاقبه، تؤذيه، وتحطمه، فأكبر كارثة عندما يتشاجر الأب والأم، وكلاً منهما يتحدث مع ابنه عن الطرف الثاني. اسعد كثيراً عندما أرى أم مطلقة وهي تتحدث عن زوجها السابق أمام ابنها بطريقة جيدة، فإن تحدثت عنه بكلام سيء فإنها تعاقب، وتحطم، وتؤذي ابنها من داخله، وإنني لأحزن كثيراً عندما أرى أماً تشاجرت مع زوجها فتحرمه من رؤية ابنه، أو أباً يحرم أماً من رؤية ابنها، فعندما تحدث لقمان عن بِر الوالدين، تحدث عن الأم والأب، ثم تحدث عن الأم، وذكر كيف أنها تتعب من أجل ابنها، وكيف حملته في بطنها وهناً على وهن، فيا أيها الآباء والأمهات، قصة لقمان تهدف لتعليمكم كيفية تربية الأبناء، فحذاري الابتذاذ العاطفي، فمثلاً يقول الأب لابنه:" سأعطيك هذا، لكن افعل مع أمك هذا" أو عندما يخطئ الابن في حق أمه ولا يفعل الأب له شيئاً، أما إذا أخطأ في حقه فيعاقبه، والعكس صحيح، يُعلمنا لقمان درس مهم جداً ألا وهو أن يكبر الأب الأم في عين أولادها، وأنتِ تكبرَ الأم الأب في عين أولاده.

وسأتحدث الآن مع الأبناء في بر الوالدين، كيف حالكم مع الوالدين؟ "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ..."(العنكبوت8) ، يقول النبي _ صلى الله عليه وسلم_ :" احفظ ودْ أبيك، لا تقطعه، فيُطفىء الله نورك"، ولم يقل النبي احفظ صلة أبيك، ولكنه قال وده وقم بإرضائه، وإلا فلن تشعر بحلاوة الدنيا، ويقول النبي _ صلى الله عليه وسلم_ :"من أَحدْ النظر لوالديه، فأنا برىء منه يوم القيامة" فمن نظر إلى أمه وأبيه بنظرة غيظ وغل وضيق، فالله برئ منه، فإياك وجرح قلوبهم، وإياك! والكذب عليهم، أو أن تفعل شيء دون علمهم، يُحكى أنه كان في زمن النبي _صلى الله عليه وسلم_ شاب يسمى علقمة، كان كثير الاجتهاد في طاعة الله، وفي الصلاة، والصوم، والصدقة، فمرض واشتد مرضه، فأرسلت امرأته إلى رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ :" إن زوجي علقمة في النزاع فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله" . فأرسل النبي _صلى الله عليه وسلم_: عماراً وصهيباً وبلالاً وقال امضوا إليه ولقنوه الشهادة، فمضوا إليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزع الأخير، فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله، ولسانه لا ينطق بها، فأرسلوا إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يخبرونه أن لسانه لا ينطق بالشهادة فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_ :" هل من أبويه أحد حيّ ؟"، قيل:" يا رسول الله أم كبيرة السن" فأرسل إليها رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ حتى أتت، فسلَّمت فردَّ عليها السلام وقال:" يا أم علقمة أصدقيني وإن كذبتيني جاء الوحي من الله تعالى، كيف كان حال ولدك علقمة؟" قالت :" يارسول الله كثير الصلاة، كثير الصيام، كثير الصدقة". قال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_:" فما حالك؟" قالت:" يارسول الله أنا عليه ساخطة"، قال:"ولما ؟ "، قالت:" يا رسول الله كان يؤثر علىَّ زوجته، ويعصيني" فقال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_: "إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة، ثم قال:" يا بلال انطلق واجمع لي حطباً كثيراً"، قالت الأم: يا رسول الله وما تصنع؟ قال :"أحرقه بالنار بين يديك". قالت:"يا رسول الله إنه ولدي ولا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي". قال:" يا أم علقمة عذاب الله أشد وأبقى، فإن سَرك أن يغفر الله له فارضى عنه، فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته مادمت عليه ساخطة"، فقالت:" يا رسول الله إني أشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة". فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "انطلق يا بلال إليه، فانظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله أم لا ؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياءً مني"، فانطلق بلال فسمع علقمة من داخل الدار يقول:" لا إله إلا الله" . أرأيتم ماذا حدث لعلقمة؟ فإنه لم ينطق بالشهادة؛ لأنه كان يأخذ لامرأته الفاكهة الطيبة، ويعطي لأمه الفاكهة السيئة، فكُسر قلب أمه، يا ترى كيف كسرت أنت قلب أمك؟ أتتذكر عندما طلبتك على الهاتف وأغلقته كي لا ترد عليها وجعلتها تبحث عنك طيلة اليوم؟ أم تتذكر عندما أغلقت الباب في وجهها؟ فإياك وكسرة القلب.

فيا أيها شباب "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ..." فالتعلموا أن أكثر وصية أخذت وقت، هي وصية بر الوالدين. فكل الوصايا كلمة أو كلمتين، ولكن وصية بِرالوالدين آيتين كبيرتين، يقول النبي_ صلى الله عليه وسلم_:" ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه......" بمعنى أن الله لا يكلمك ولا يزكيك إذا عققت والديك. يقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : "لا يدخل الجنة عاق، حتى يقضى بين الخلائق" لذا فآخر من سيحاسب العاق لوالديه. ويقول النبي _صلى الله عليه وسلم_:"واخفض لهما جناح الذُل من الرحمة...." فهل من أحد الآن دخل عليه رمضان وهو عاق لوالديه؟!! أتعلمون لماذا قال جناح الذُل؟ فهل الذُل له جناح؟!! أتعلمون عندما تتشاجر الطيور، كيف يستسلم الطائر لوقف المعركة؟ يفرد الطائر جناحيه، وينزلهما إلى الأرض، ويخفض جسمه، وهذا معناه أنه استسلم. فالله تعالى يقول لك هل تستطيع أن تفعل مثل ما فعل هذا الطير؟ هل تستطيع أن تقبل يد أمك، وتقول لها ادعي لي؟ هل تُعاندها؟ إياك والعناد مع والديك. أعرف رجل سوري متزوج امرأة تشيكية، رأيت ابنتهم –أثناء خروجهم من المحل- ذاهبة لأبيها لتقول له:" انتظر يا أبي" فنزلت أمام جميع الناس؛ لكي تربط حذاء والدها. فصاحب أمك "...وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً .." ما معنى أن تصاحبهما؟ أتعلمون الرجل الذي جاء للنبي وقال له:" يا رسول الله، من أحق الناس بحُسن صحابتي؟"، فقال رسول الله:" أمك". فقال له:" ثم من؟" قال :" أمك" فالرجل يريد أن يعرف أحداً آخر، فقال له:"ثم من؟"، قال :" أمك" فقال:" يا رسول الله علمت أنها أمي، ولكن من بعد أمي؟"، قال:" أبوك". فهل أنت مصاحب لوالديك؟ أم صديق أصحابك والكمبيوتر والمحادثة على الانترنت ، ولا تتحدث مع والديك، وليس لك علاقة بهم؟!! فلقمان يذكر ابنه بذكريات الماضي مع أمه عندما حملته وهناً على وهن، فإذا أردت أن يُحن قلبك على أمك، تذكر أيام الماضي عندما كانت تحملك في بطنها، ونقص من جسمها الحديد والكالسيوم؛ لكي تُغذيك وهي سعيدة بذلك. وكانت لديها أحلام كثيرة جداً مثلك الآن، ولكنها تنازلت عنهم بسببك، ولذلك الآيات تُذكرك بالماضي " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"(لقمان14).

3. إقامة العبادة، تجعل ابنك يصلي" أَقِمِ الصَّلَاةَ...."
4. الإيجابية في الحياة، "... وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" فانزل وأصلْح في الأرض، واصبر على أي شيء يُصيبك، واسعى في الدنيا، واعمل في الصيف، واختلط بالناس، وكن إيجابياً.
5. الأخلاق، "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ..." فلا تتكبرعلى أحدٍ، ما معنى تُصعر؟! كان الصُعار مرض يُصيب الإبل، فتتلوي عُنقها، ولا تستطيع أن تُرجعها مرة أخرى. ولا تمشي في الارض مرحاً" وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور"ٍ فكن متواضعاً، ولا تتكبر على الفقراء.
6. اجعل لك هدف في حياتك، "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ.." اجعل لحركاتك قصداً وهدفاً ومُراداً.
7. الأدب والذوق، "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير"ِ تحرك بروية، واخفض من صوتك، وتعلم الآداب والذوقيات.

كلمة للآباء والأمهات:
هذه وصايا لقمان لابنه، ولكن هناك كلمة أخيرة أريد أن أقولها للآباء والأمهات، أرأيتم لقمان كيف يتحدث مع ابنه؟ تحدث معه بلغة العاطفة، ففي جميع الوصايا كان يقول له: "يا بني". فأين لغة العاطفة يا آباءَ؟ ابنك وابنتك بحاجة إلى الحب والحنان خاصة البنات، فإذا كانت لا ترى هذا الحب في البيت، فأخشى أن تبحث عنه خارج البيت. فمثلاً بدلا من أن تقول لها:" ستكوني فاشلة إن فعلتِ كذا وكذا " أو " ستموتين كلما قدت السيارة بهذه السرعة ". فبذلك ستفشل حقاً، ولكنك استخدمت لغة العقل. فهل من الممكن أن تضع لغة العاطفة قبل لغة العقل؟ مهما كنت أيها الأب شديداً. يقول الشباب للآباء:" إلمس قلبي؛ كي أسمعك، ومُر من قلبي على عقلي؛ كي أفهمك". الشباب يُريد من يكلم قلبه، يا آباء قبل أن يعظ لقمان ابنه قال له:" يا بني" هذه ليست كلمة عابرة، ولكنها أحاسيسُ، وحبُ، وحنانُ، وعاطفةُ، عبر عنها بكلمة (يا بُني). وكان النبي_ صلى الله عليه وسلم_ لا يعِظ أحداً، إلا وجه له لفتة عاطفية، فعندما أراد نصح معاذ بن جبل قال له بعد أن أخذ بيده ومشى به: " إني أحبك، فلا تنسى أن تقول بعد كل صلاة، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". أرأيتم كيف استخدم أولاً لغة العاطفة؟ أمسك بيديه وقال له أنا احبك، وبعد ذلك وعظه. مثال آخر: كان ابن عباس رجل شديد الذكاء يقول:" ضمني رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إليه وقال اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب" فرسول الله يريد أن يقول له اعمل وتعلم، لكن أرأيت طريقته في حديثه مع ابن عباس؟ أعرف قصة حدثت لبنت مسلمة بكستانية اسمها لينا، تعمل في رعاية الأسر التي لديها مشكلات مع المخدرات في إنجلترا، جاءت لها أم وقالت لها:" ابني مدمن مخدرات منذ أكثر من 15 عاماً، وأريد أن أطرده من البيت؛ لأنه سيدمر إخوته، وأنه مُقذذ، و... و...." فقالت لها لينا:" متى ذكرتي له إنكِ تحبيه؟" فقالت لها:" هذا شخص مُقذذ، كيف أقول له أني أحبك؟!! أنا لا أستطيع أن أقولها". فقالت لينا:" هل من الممكن أن تعودي إلى بيتك وتحبينه من قلبك بصدق؟". وبعد أسبوع عادت الأم إلى لينا وقالت لها:" عندما عدت إلى البيت، جلست مع ابني على المنضدة واستحضرت نيتي، وضغطت على نفسي، وصدقت النية مع الله" فقال ابني:" ما بكِ؟" أحدث شيء؟" فنطرت إليه وقلت له:"أنا احبك؛ لأنك ابني، ومهما فعلت أنا احبك." فبكى ابني المُدمن، وبكيت وضميته إلى صدري. وقرر الابن أن يبدأ بالعلاج".

أنا انتهيت من القصة، وأسال الله تعالى أن يفتح علينا، ويحفظ أبناءنا وآباءنا.


رابط تحميل الحلقة:
http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1252.html


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 4:50 pm

الحلقة 24 - يوم التناد



مدرسة التخيل:
منذ حقبة زمنية معينة شعر أحد علماء المسلمين وهو الحارث بن أسد المحاسبي بطغيان المادة على حياة الناس، فقرر أن ينشيء مدرسة فكرية أسماها (مدرسة التوهم)، أي: التخيل. كان يأتي بالناس، ويقص عليهم الآيات والأحاديث التي تتحدث عن الآخرة، وعن لقاء الله سبحانه وتعالى، والوقوف بين يديه، وعن الجنة والنار، ويطلب منهم أن يتخيلوا أنهم في هذا الموقف. ولاَحظْ أن من يحضر إلى تلك المدرسة تتغير حاله إلى الأفضل بعد أن يتخيل أحداث يوم القيامة ويستحضر هوله. واتضح له أن الحديث عن الآخرة يصلح من أحوال الناس في الدنيا. وفي أحد الأيام طلب من الحاضرين في هذه المدرسة أن يتخيلوا شابًا يدخل الجنة، ويفتح له أحد أبوابها. وقد تساءل الشاب عن سبب فتح هذا الباب له، فأجيب: بأن هذا باب قد فتح لك لأنك سلكت طريقًا تبتغي فيه علمًا في الدنيا. وقد حثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- على العلم، فقال في حديث رواه مسلم:"ومن سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا الى الجنة"، ثم تبين للعالم أن أحد الحاضرين في هذه الجلسة قد أصبح مهتمًا جدًا بالعلم، فشرع في توسيع هذه المدرسة. فما رأيكم أن ننشيء نحن هذه المدرسة، ونحيا داخلها، ونرى تأثيرها فينا. وسنحكي فيها لقطات ومشاهد من يوم القيامة، سنحكي أمورًا تؤلمنا، وأخرى تسعدنا مثل الحديث عن الجنة. هيا بنا نفتتح مدرسة التخيل، ولنبدأ بيوم القيامة.
يوم التناد:
أولًا: أطلب منكم أن تعيروني انتباهكم، وتتخيلوا أنكم موجودون الآن في هذه اللحظة في يوم القيامة. ويوم القيامة له أسماء كثيرة جدًا، منها: يوم العرض، ويوم الحاقة، ويوم الزلزلة. ولكننا اليوم سنتحدث عن اسم غير معروف ليوم القيامة، سنتحدث عن يوم التناد. وهل هذا اسم من أسماء يوم القيامة؟ وماذا يعني؟ ومن أين أتيت به؟ إنه مذكور في القرآن الكريم، وقد جاء ذكره على لسان مؤمن آل لفرعون:”وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ* يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ...” (غافر32-33) يومٌ ينادي فيه كل الناس بعضهم بعضًا. تخيل معي شاب يبحث عن أمه، وأب يبحث عن أسرته، تُرى هل يجدهم وتتشابك أيديهم، أم يفر كل منهم من الآخر؟ ملائكة تنادي المؤمنين، وشيطان يتبرأ من الفاسقين، ورب ينادي على عباده، ونار تنادي على العصاة، وجنة تنادي على المؤمنين، وأهل النار ينادون أهل الجنة، وأهل النار ينادون خزنة جهنم، وأنبياء يكلمون ربهم. هل تتخيل معي ذلك المشهد العظيم؟! نداءات مختلفة تملأ جو ذلك اليوم العظيم، إنه يوم التناد! ما رأيك أن نسلك الآن منهج مدرسة التخيل، فنتخيل تلك الصور، لنتعظ بها قبل فوات الأوان. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا". فما رأيك أن نستغرق اليوم في مدرسة التخيل، ونعيش التخيل لعله يساعدناأو يساعد بعضنا في تغيير حالهم إلى الأفضل، ويكون سببًا في عِلو همتهم.
النداء الأول :
إنه ليس نداءً، بل هو نفخة في الصور. حين ينفخ الملك الموكل بالنفخ في الصور فتفنى الحياة من على الأرض تمامًا:”وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ...” (الزمر:68) إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ينقل لنا تلك الصورة في حديثه الشريف فيقول:” كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يسمع متى يؤمر، فينفخ"، ويقول أيضًا:”بُعثتُ أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى".
نداء آخر:
نداء الله للملائكة. ينادي الله -تبارك وتعالى-: يا ملك الموت من بقي؟
- فيقول ملك الموت: لم يبق إلا عبدك جبريل، وعبدك ميكائيل، وملك الموت، والملك الموكل بالنفخ في الصور.
- فينادي الله: يا ملك الموت اقبض روح ملك الصور. يا ملك الموت من بقي.
- فيرد ملك الموت: جبريل، وميكائيل، وعبدك.
- فينادي الله: يا ملك الموت اقبض روح ميكائيل. من بقي يا ملك الموت؟
- فيرد ملك الموت: جبريل، وعبدك.
- فينادي الله -عز وجل- يا ملك الموت اقبض روح جبريل. يا ملك الموت من بقي؟
- فيرد ملك الموت: بقي عبدك.
- فينادي الله: يا ملك الموت اقبض روحك.
ثم ينادي الله: لمن الملك اليوم فلا يجيب أحد لأنه لا يوجد أحد، فيقول الله -تبارك وتعالى-: لله الواحد القهار.”... ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ.” (الزمر:68) تخيل بعد النفخة الثانية ونحن نقوم إلى أرض المحشر؛ لنُحاسب بين يدي الله -عز وجل-، هل تتخيل ذلك المشهد؟ كيف سنقوم بعد الموت؟ وأين نحن؟ وأين ذوينا وأهلنا؟ وكل من عشنا معهم وأحببناهم في الدنيا؟ أول شيء تفعله بعد البعث من الموت البحث عن عائلتك، لكن انتبه إن كانت تلك العائلة مؤمنة ستتشابك أيديهم، ويمسك كل منهم بيد الآخر، وإن كانوا عُصاة فكل منهم سيقول: نفسي نفسي. "يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ.” (عبس:34-35) أيتها الأم، تخيلي عند خروجك من الأجداث وأنتِ تنادين أولادك، وقد كنتم -بحمدالله- عائلة مؤمنة ومتماسكة، فتبعثون وقد تشابكت أيديكم. انظر معي إلى تلك الأسرة وهي تتجمع، فتحفهم الملائكة، وتطمئنهم وسط رعب يوم القيامة، وتظللهم “...ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.” (الأعراف:49)،صورة أخرى لأسرة عاصية وهم يفرون من بعضهم بعضًا، وكل منهم يقول: نفسي نفسي. زوج وزوجه يفرون من بعضهم بعضَا، وأخ وأخته يفرون من بعضهم بعضَا، وأب يفر من أولاده، وأولاد يفرون من آبائهم. تخيل أيضًا الله -تبارك وتعالى- ينادي العصاة الذين جعلو لله ندًا في حياتهم، كان لهم من هو أهم من الله في نظرهم. وقد كانوا كلما اشتهت أنفسهم شيئًا فعلوه دون أن يتقوا الله "أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وكيلًا.” (الفرقان:43) شخص آخر كان جل اهتمامه في حياته المال. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"تعس عبد الدينار.” أي من كان المال هو مبلغ همه. نداء آخر: "وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.” (القصص:62)، تخيل عندما يأتي كل منهم بشريكه، يأتي أحدهم بماله، والآخر بالخمر، وآخر بالنساء، تُرى أين أنت؟ وهناك من خلط عملًا صالحًا وآخرسيئًا إلا أن الله كان هو مركز حياته، بالرغم من أن الدنيا كانت تتخطفه من حين لآخر. كل منا له مركز حياة هو المرجع في أخذ قراراته، فإن كان الله هو مركز حياتك فأنت على الدرب السليم.
نداء الرسل وأقوامهم:
"وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ.” (القصص:65) كيف أجبت محمداً -صلى الله عليه وسلم-؟ بماذا ستجيب؟ هل تستوعب أن هذا الموقف سوف تمر به لا محالة؟ وسوف يحدث لك أنت شخصيًا؟ صورة أخرى سوف تحدث عندما ينادي الله -جل وعلا- على نوح عليه السلام:
- يا نوح، هل بلغت؟
- فيرد نوح: نعم يا رب.
- فيسأل رب العزة قوم نوح: هل بلغكم؟
- فيقولون: ما جاءنا من نذير، ما جاءنا من أحد.
- فيقول نوح: بل بلغت يا رب.
- فيقول الله: من يشهد لك يا نوح؟
- فيقول نوح عليه السلام: محمد وأمته يا الله.
هل تتصور أنك في يوم من الأيام سوف تشهد لنبي الله نوح -عليه السلام- بناء على ما آمنت به في القرآن "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس...” (البقرة:143)
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد:
كل ما مضى حتى الآن وصف لما سوف يحدث يوم القيامة للناس أجمعين، لكن ما الذي سوف يحدث لك أنت وحدك؟ يوم حسابك؟ "وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ.” (قّ:21) تخيل وأنت تمشي ومعك الملك الموكل بك في الدنيا وهو يسرد أعمالك، كل كلمة، كل غمزة ولمزة "وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ* أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ*مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ" (ق:23-25) ويقول قرينه (الشيطان):”قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ.” (ق:27) يا الله، كل ذلك سوف يحدث! هل تستشعر وجودك الآن وسط هذا الزحام، وكل تلك النداءات. بل انظر أيضًا هناك متكلم جديد ينضم إلى ذلك الموقف الصعب:”يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ.” (ق:30)، كان سيدنا عمر بن الخطاب يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نكون من مزيد النار. تخيل يوم يُنَادَى عليك: فلان بن فلان، هلم للعرض على الجبار! تخيل فرحتك وأنت ذاهب للقاء ربك، وأنت تعلم أنك كنت من المتقين، وأنك اتقيت الله في ذنب بعينه، وعملت لهذا اللقاء سنوات وسنوات. ما أحلاها من فرحة وأنت تسير وتعلم أن الله سيوفيك حقك. وتخيل الملائكة وهي تجر أحدهم؛ وهو لا يستطيع أن يسير خوفًا من الله حين تعرض عليه صحائفه. يقول سيدنا علي بن أبي طالب:”إني لأعلم قومًِا سيسقط لحم وجوههم خجلًا حين تعرض فضائحهم على الله!”
النداء باسم العمل:
وفي يوم التناد يُنادَى كل جماعة بعملهم: ليقم الكذابون. تخيل لو قمت معهم! يا لها من فضيحة! ليقم المرائون، ليقم الذين خانوا زوجاتهم، لتقم من خانت زوجها، ليقم المرتشون. ويُنادَى أيضًا أصحاب الأعمال الصالحة_ اللهم اجعلنا منهم_: ليقم المتصدقون، ليقم الصائمون، ليقم قارئو القرآن، ليقم من بكي من خشية الله، ليقم البارون بآبائهم. وينادى: ليقم أهل الفضل، فيقومون وهم قليل، فيسيرون سراعًا إلى الجنة، فتستوقفهم الملائكة، وتقول: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الفضل، فيقولون لهم: وما فضلكم، فيقولون: كنا إذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسيئ إلينا غفرنا، وإذا جهل علينا حلمنا فتقول لهم الملائكة: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. وينادى:”...إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.” (الزمر:10) هلموا إلى الجنة بغير حساب.
حوار أهل الجنة وأهل النار:
"وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.” (الأعراف 44)
ثم يؤتى بكبش عظيم، وينادى: يا أهل الجنة أتعرفون ما هذا؟
فيردون: لا.
فيُنادى: يا أهل النار أتعرفون ما هذا؟
فيقولون :لا.
فيرد المنادي: إنه الموت. فيا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت. وينادي أهل النار الملائكة:"وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ.” (غافر 49-50) وعندما يجدون أن كلامهم مع خزنة جهنم لا رجاء منه ينادون مالكًا:”وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ.” (الزخرف:77) فينادون الله:” قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ* رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ*قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ.” (المؤمنون106-108) فهيهات، وقد أضاعوا وقت التوبة في الدنيا. اللهم سلم! هيا بنا يا أمة محمد نغتنم وقت الدنيا في التوبة، فيا من ارتكب أي ذنب، هلم إلى التوبة:”...فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ.” (آل عمران:185)
نداء الله للمؤمنين:
"يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.” (الزخرف:68) تخيل أن الله يناديك؛ لكيلا تفزع مما يلاقيه الظالمون من عذاب! أنت في مأمن اليوم:"الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ.” (يونس:63)
نداء الصيام والقرآن:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني به، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان" سوف يأتي الصيام مجسدًا يوم القيامة، ويناديك ويدافع عنك، فأتقن صيامك ولو ليوم واحد. كذلك القرآن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في حديث رواه مسلم: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن و أهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة و آل عمران، تحاجان عن صاحبهما" أي: تدافعان عنه، وتشفعان له يوم القيامة. فهنيئًا لكل من حفظهما!
نداء صلة الرحم:
تذهب الرحم وتتعلق في عرش الرحمن، وتقول أمام البشر كلهم: يا رب، ظُلمت، يا رب، أُوذيت، يا رب، قُطعت.
- فيقول لها الله -عز وجل-: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك.
- فقالت: رضيت يا رب.
- فقال: لكِ ذلك.
وتأتي مرة أخرى عند المرور على الصراط، وتقول لك: لا تمر حتى تعطيني حقي.
نداء المظلوم:
يأتي القتيل الذي قتل ظلمًا يوم القيامة، ويبحث عمن قتله حتى يجده، فيأخذ برأسه، ويذهب إلى الله -عز وجل- ويقول له: يا رب سل هذا فيم قتلني؟ حتى يأخذ له الله حقه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة تبارك و تعالى، فقال أحدهما: يا رب، خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله تعالى: أعطه مظلمته ..
فقال: يا رب، لم يبق من حسناتي شيء ..
فقال الله تبارك و تعالى للطالب: فكيف نصنع و لم يبق من حسناته شيء؟
قال: يا رب، فليحمل من أوزاري ..
قال: ففاضت عين رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بالبكاء، ثم قال: " من يتحمل عنهم أوزارهم؟ فقال الله تعالى للطالب : ارفع بصرك، وانظر في الجنان، فرفع رأسه، فقال: يا رب أرى مدائن من فضة، و قصورًا من ذهب مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا؟
قال الله تعالى: هذا لمن أعطى ثمنه ..
فقال: يا رب و من يملك ثمنه؟قال الله تعالى: أنت تملكه.
قال: بماذا يا رب؟
قال : بعفوك عن أخيك، قال: يا رب، فإني قد عفوت عنه،قال الله عز و جل: فخذ بيد أخيك فادخلا الجنة.
نداء إبليس في النار:
"وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.” (إبراهيم:22) يخطب فيهم بعد أن أغواهم في الدنيا، وأضلهم، ثم يتبرأ منهم يوم القيامة.
نداء النبي عند الحوض:
تخيل صوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ينادي: أمتي! أمتي! فتذهب إليه، فيغترف الماء بيده الشريفة من حوضه، ويسقيك من كفه، وتلامس شفتاك كف النبي الشريفة، وأنت ترتشف الماء، فلا تظمأ بعدها أبدًا.
نداء الله عز وجل على باب الجنة:
يا أهل الجنة، إن لكم أربعة أشياء: لكم أن تحيوا فلا تموتون أبدًا، وإن لكم أن تصحوا فلا تمرضون أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرمون أبدًا، وإن لكم أن تسعدوا فلا تحزنون أبدًا. يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا فحي على زيارة الرحمن. تخيل أنك ذاهب إلى لقاء ربك، وأمامك أناس على منابر من نور، ومنابر من فضة، ومنابر من ذهب. يحكي ابن القيم حديثًا طويلًا يوم ينادي الله المؤمنين ويلقاهم.
فيناديهم الله -عز وجل-: يا أهل الجنة، سلامٌ علكيم.
- فيقولون: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام.
- فينادي فيهم الله -تبارك وتعالى-: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟
تخيل وأنت ترفع يدك، وأنك معهم، فقد كنت من المؤمنين بالغيب في الدنيا.
فيقول لهم الله: اليوم يوم المزيد، فاسألوني يا أهل الجنة.
- فيتفقون في القول: ارض عنا يا رب.
- فيقول لهم الله: إني لو لم أرضَ عنكم لما أسكنتكم جنتي، ولكن اسألوني يا أهل الجنة.
- فيتفقون في القول على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك.
فتكشف الحجب فينظرون إلى الله -عز وجل-. فلم يعطوا لذة منذ خُلِقوا ألذ وأحب إليهم من النظر إلى وجه الله الكريم، فما منهم من أحد إلا ويحاضره ربه محاضرة، أي: يكلمه.
- فيقول الله -عز وجل-: يا أهل الجنة هل رضيتم؟
- فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد بيضت وجوهنا وأدخلتنا الجنة.
- فيقول الله لهم: بقي شيء.
- فيقولون: وما هو يا رب؟
- فيقول: "أرضى عنكم، فلا أسخط عليكم بعدها أبدًا، سلوني يا أهل الجنة، تمن يا عبدي، واشته، فما تمنيت شيئًا إلا وأعطيتك إياه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:”فيتمنى العبد حتى إذا انقطعت به الأماني يذكره الله بأمنيات نسي أن يذكرها، ألا تحب كذا؟ أما تريد كذا؟” فتخيل وأنت في قصرك، ولك شاطئك وفواكهك الخاصة، وكل ما تشتهي هو ملك لك، كل ما عليك أن تتمنى.
أرجو أن تفكروا جيدًا، وتتخيلوا فعلًا هذا اليوم من العرض على الله، وقراءة الصحف، واختلاف النداءات حولنا، ترى هل تنادينا الجنة، أم تنادينا النار؟ كل منا يعلم حاله جيدًا، فكفى بنفسك عليك حسيبًا.




رابط تحميل الحلقة:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 4:54 pm

الحلقة 25 - آل عمران



أسرة آل عمران وهدف بيت المقدس:
إنها أسرةٌ لها هدف ألا وهو بيت المقدس، وبالتالي لن تضيع عائلةٌ كهذه، وكانت الجدة جدة عيسى وزوجة عمران هي أكثر من تتحرك لتحقيق هذا الهدف، وكانت تسمى حَنّة، لم يركز القرآن على اسمها؛ فالمهم ما قامت به، وحتى لا تلتفت إليه وتعش معه، ركز على صفاتها، فوصفها القرآن بأنها (امرأة عمران)؛ وكأنها بشرى لكل زوجة تشارك في وضع وتحقيق هدف لأسرتها، وإن افترضنا أن أحدَ أفراد الأسرة لم يرضَ عن هذا الهدف فعلى البقية أن يكملوه، فإن رفض الأب والأم، فبإمكان الأخوة والأخوات أن يسيروا على النهج نفسه لوضع وتحقيق هدف ما، وكذلك إذا لم يرض الزوج، فالزوجة يمكن أن تلتف مع الأبناء حول هذا الهدف، وإن رفضت الزوجة والأولاد إلا واحدًا فبإمكان الأب أن يتعاون مع هذا الابن؛ لتحقيق ذلك الهدف، ومع الوقت سيجذب هذا المغناطيس البقية نحوه، فقط عليك بالتفكير في هدف، وأن يكون بنية إرضاء الله؛ وستلاحظ ما سيعم من بركة.

شجرة عائلة آل عمران:
هي أسرةٌ عريقة ذات جذور عميقةٍ في التاريخ؛ حيث إن الأبوين من ذرية داود وسليمان عليهما السلام. يسمى الأب عمران، والأم حَنّة، وقد أنجبا فتاة تزوجت من رجلٍ هو سيدنا زكريا، الذي سيصبح فيما بعد نبيًّا، ومرت سنواتٌ طوال دون أن يرزقا الذرية، أما زوجة عمران فكانت قد تمنت أمنيةً مرتبطةً بهدف العائلة وهو بيت المقدس، وكانت أمنيتها أن تنجب ذكرًا، لكن عندما وضعت حملها لم ترزق ذكرًا فكانت أنثى أخرى وهي السيدة مريم. وبعد ذلك، رزق الله السيدة مريم عيسى عليه السلام، وكما نلاحظ أنها عائلة عريقة بدأت من داود لسليمان، لعمران حتى وصلت إلى عيسى عليه السلام ولذلك تقول الآية (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ بَعْضٍ...) (آل عمران:34) فقد شبَّ الأحفاد على نهج الأجداد، مفعمين بالخير والصلاح، وهنا أريد أن أوجه رسالةً للعائلات الأصيلة، خاصةً الشباب والفتيات:
1. إن كانت عائلاتكم عائلة أصيلة تفخر بأخلاقها، إياكم أن تنهوا هذا الشرف وتسيئوا إليه، وتشوهوا جماله بفسادٍ، أو عقوق، أو بالانصراف عن طريق العبادة، أو بعلاقةٍ محرمة؛ ليمتد الخير لأحفادكم من بعدكم.
2. عندما تقبلوا أيها الشباب والفتيات على الزواج، على كل منكم أن يتخير عائلة من سيتزوج؛ فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تخيروا لنطفكم؛ فإن العرق دساس)، وهنا تتجلى خطورة "الصحوبية"؛ حيث إنهما لو فكرا في الزواج- مع صعوبة ذلك- فإن كلا منهما لن يفكر في عائلة الآخر، متناسين أن الزواج ليس ارتباطًا بين شابٍ وفتاة، وإنما هو انصهارٌ بين عائلةٍ وأخرى، كما يظهر في عائلة عمران وزوجته، حتى إنهما ذُكرا في القرآن، وأطلق على السورة اسم عائلتهما؛ لما كان لهما من هدفٍ في الأسرة، فهي أمٌّ لها نية انبثقت منها أشياءٌ غير عادية، وعلى الرغم من هذا الشرف فإنه جديرٌ بالذكر القول بأن هذه العائلة لم تكن ثريةً بل أسرة بسيطة. فالقيم لا تحدد بما تملكه الأسر من أموال، وكم من أسرٍ ثرية ليس لها في التاريخ قيمة! وكم من أسرٍ بسيطة ذات قدرٍ عالٍ عند الله تعالى! وثبت ذلك في التاريخ، كآل ياسر؛ ياسر، وسمية، وعمار، فقد عاشوا وماتوا وهم فقراء. لكن ماذا كان قدرهم عند الله؟ (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة)؛ فقيمة العائلة ليست بأموالها، وإنما بأصلها، وأخلاقها، وقيمها، فلا يهم الرصيد البنكي، المهم الرصيد عند الله، كآل عمران التي برصيدها عند الله سميت ثاني سور القرآن باسم عائلتهم.


رصيد آل عمران عند الله:
بالنظر لبداية سورة آل عمران، نجدها تقول: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (آل عمران:33)، فالآية حددت فردين وعائلتين وقد يتبادر للذهن سؤالاً: لِمَ لم تقل الآية آل آدم وآل نوح كما قالت آل عمران وآل إبراهيم؟ لأن آل عمران وآل إبراهيم ظلوا على التزامهم وتدينهم كما كان طريق آبائهم؛ فآل إبراهيم هم: إسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، أما آل عمران فهم: مريم، وزكريا، ويحيى، وعيسى، أما سيدنا نوح فقد ذكر فردًا لمعصية ولده له، وكذلك سيدنا آدم، ولم يُذكرا بعائلاتهم. أأدركتم لِمَ نصحت الشباب بألا يسيئوا لأخلاق وقيم عائلاتهم؟ حتى تظل العائلة كلها غاليةً عند ربها كما هو الحال في أسرة آل عمران التي اصطفاها الله على العالمين، فقد تكون نية أمٍّ قادرةً على تغيير وجه العالم، وأكملت ببركة نية الأم هذه العائلة كلها لتحقق الهدف.

أسباب نزول السورة وسبب تسميتها:
على الرغم من أن السورة أنزلت أثناء غزوة بدر، وقبل وبعد غزوة أحد فقد سميت "آل عمران" وجاءت في وسطها آية (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا...) فتُرى ما هي العلاقة بين موضع الآية ووقت النزول؟ إن العلاقة تعود إلى تغيير عدد من صحابة أُحُد هدفهم بعد أن كان لله؛ وذلك عندما رأوا الغنائم، فجاءت السورة التي توالت في نزولها أثناء وبعد الغزوة باسم عائلة لم تغير هدفها، وإنما ثبتت عليه فقد كان هدفًا لإرضاء الله، وكأن السورة جاءت دعوة للناس بأن يثبتوا على أهدافهم.

ونزول أجزاء من السورة في وقت آخر يبرز قيمة هذه العائلة، ويبرز حلاوة القرآن، حيث بدأت وفود النصارى تتوافد على النبي (صلى الله عليه وسلم) ليتناقشوا حول قصة عيسى بن مريم، وكان أولهم وفد نصارى نجران، وقد أسكنهم النبي (صلى الله عليه وسلم) المسجد، وأَلَّفَ قلوبهم، ولم يبن لهم خيامًا في الخارج، -وهذا يوضح عظمته (صلى الله عليه وسلم)-، فنزلت السورة في هذه الأثناء باسم عائلة من العائلات الصالحة، التي يحبونها، ويفتخرون بها تأليفًا لقلوبهم؛ ولفتح منطقة حوار مشتركة؛ لإرساء التعايش بينه (صلى الله عليه وسلم) وبينهم. فانظر لترتيب القرآن العجيب الذي تأتي فيه السورة في وقت نقاشهم، فتوجد مساحة مشتركة بين الطرفين، فهم مسيحيون، والشيء المشترك بينه (صلى الله عليه وسلم) وبينهم هو هذه العائلة، ولك أن تتخيل وقع هذا الأمر على الوفد عندما يجدوا سورة باسم تلك العائلة، وأن تقول الآية إن الله اصطفى آل عمران على العالمين. هذه إحدى طرق التفكير التي نادينا بها خلال برنامج "دعوة للتعايش"، وتطبق هذه الطريقة على كل البشر عندما يجلس طرفان للنقاش، لذا نزلت في السورة ذاتها الآية التي فيها (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّه...) (آل عمران:64) فإلهنا في النهاية واحدٌ وإن كانوا مسيحيين.
ثبت كل أفراد العائلة على الهدف، حتى الأحفاد، فكانوا نموذجًا يحتذى به. فهل عائلتك نموذجًا للمسلمين في أوروبا، أو في الحي الذي تقطنه، أو في البناية التي تسكنها؟ هل يمكن أن يضرب بنا المثل، كم ضرب الله لنا مثلاً بتلك العائلة! الأمر ليس بالمستحيل بل يحتاج إلى أهدافٍ وإن كانت بسيطة؛ كتنمية الحي الذي تعيش فيه مثلاً، أو بإقامة مشروعات صغيرة للأسر الفقيرة، ومساعدة من انقطع من أبنائها عن التعليم أن يواصل تعليمه، أو تعليم سكان المنطقة القرآن الكريم. تعاهد على هذه الأهداف أنت وزوجتك، وستلاحظان كيف سيبارك الله لكما بقدر إخلاصكما النية!

تقول الآية (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى...) (آل عمران: من الآية33) وكلما سمعت كلمة (اصطفى) أشعر بشيء ما بداخلي، استشعر ما فيها من عزة، وأتساءل هل يمكن أن نصطفى نحن أيضًا؟ بالطبع ليس كاصطفائهم لكن على قدر زماننا، فالكلمة تعني: (انتقى) أي أنت بعينك دون غيرك كما قال الله لموسى (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ...) (طـه:13)، وكما قال الله تعالى لمريم (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ...) (آل عمران:42) فقد اصطفاها الله اصطفائين، وبين كل اصطفاءٍ وآخر منازل ودرجات، ترى هل اشتقت لكلمة الاصطفاء تلك؟ إن كنت كذلك فإنك قد تحصل عليه في مثل هذه الأيام المباركة، لكن اعرض نفسك له، وقل: يا رب اعتقني! قل: يا رب اخترني واجعلني اعمل لديك؛ فأصلح في أرضك!

بقي أن نذكر أن آل عمران ذكروا في موضعين من القرآن الكريم: في سورتي آل عمران، ومريم، لكن في الأولى ذكر أول العائلة، فركزت على الجد والجدة، وفي الثانية ذكر آخر العائلة ألا وهو عيسى بن مريم، وركز على الابنة والحفيد، فبنيّة الجدة (زوجة عمران) وبركة هدفها امتد ذكر الأسرة كلها وسيبقى ذكرها إلى يوم القيامة؛ ألن ينزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان؟ فما كان ذاك الهدف؟ وما هي تلك القصة؟

قصة هدف زوجة عمران:
عاشت زوجة عمران في فلسطين التي دخلها الرومان - بعد داود وسليمان وأحفادهم- بعقيدتهم الوثنية، فتعددت الآلهة: كإله الجمال، وإله الحب، والإمبراطور الإله..إلخ، كما اضطهدوا كل من يرفض تلك العقيدة، بما فيها من تعددٍ للآلهة، ففُتِنَ الناس وفسدوا ليس هذا فحسب فقد أكرهوا الناس على دينهم لدرجة أنهم أقاموا ساحةً كبيرةً يلقى فيها كل من يرفض ذلك، وتترك عليه الأسود والنمور فتأكله حيًّا، وحتى يومنا هذا لاتزال تلك الساحة كما هي في روما، وبعد هذا نُتّهَم نحن المسلمين اليوم بإكراه الناس على الإسلام، على الرغم من أننا لسنا من فعلنا أو بدأنا هذا بل هو أمرٌ جاء به الرومان، وديننا هو الدين الوحيد الذي قالبرنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Frown...لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...) (البقرة:256) فكان هو من سطر هذه العبارة، وأستشهد بقول أحد المستشرقين الذي قال: ليت أوروبا عرفت هذه العبارة، بدلاً من الحروب التي قامت بداخلها بسبب الدين، واليوم ندافع نحن عن ديننا على الرغم من أنه لم يكره أحدا على اعتناقه، بل كانت فعلة رومانية قاموا بها قبل وبعد المسيحية.

رأت زوجة عمران هذا الوضع، بما فيه من إكراه في الدين وتغيير لعقيدة الناس إلى جانب الظلم الشديد الذي يرزح تحت نيرانه أهل فلسطين، والضرائب الكثيرة، والعنصرية التي جعلت معيشتهم صعبة، أما عامة المؤمنين فقد انتابهم الصمت، فماذا فعلت امرأة عمران؟

لم تكن زوجة عمران قد أنجبت سوى فتاةٍ واحدة، تزوجت هذه الفتاة من زكريا، الكبير في السن، حيث الآية (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا...) (مريم:4)، فما بالنا بها؟ فقد تقدمت في العمر هي الأخرى، وعلى الرغم من هذا دبت نيةٌ في قلبها أنها تريد الإنجاب، وهي لم تحرم من الذرية؛ فلديها ابنة، لكنها رفضت أن تستسلم لهذا الوضع، بل أرادت جيلاً جديدًا يصنع شيئًا لفلسطين، وكأنها تقول لابد أن يخرج من بطني من يصلح هذا الوضع، ويقدم شيئًا لهذه الأمة، وكبرت تلك النية بداخلها، وبدأت تتحدث مع زوجها عمران- وهو أحد كبار علماء بيت المقدس المتميزين- ، وكان كبيرًا في السن، وبالطبع يصعب الإنجاب في هذه السن المتقدمة، وأخذ يذكرها بابنتها وزوجها اللذين تقدم بهما العمر ولا يستطيعان الإنجاب فكيف بهما؟ فبدأت تقنعه بالفكرة فهما يريدان خيرًا للمجتمع، ولابد أن تمتد أسرتهما لتبقى الرسالة في الدنيا، والدليل على أن هذا كان محور تفكيرها هو أن سيدنا زكريا كان يقول الشيء ذاته حيث تقول الآية: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (مريم:6،5) فإنه يفكر في القضية نفسها من فساد المجتمع، والميراث هنا - بالرجوع إلى كتب التفاسير- هو ميراث النبوة والرسالة وليس المال، فالقضية واحدة لكن امرأة عمران هي أول من حركت هذا الموضوع بنيتها، فأين أنت من زوجة عمران؟ هل اقتصر دورك على الأكل والشرب والإنجاب فحسب؟ أين من تريد أن يكون ابنها صلاح الدين؟ أين من تتمنى أن تجعل ابنتها كالسيدة مريم؟

تأثير دور المرأة على الأسرة والمجتمع:
سميت سورة آل عمران باسم العائلة كلها لكن عندما تقرأها تجد دور المرأة واضحًا كما في الآية (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي...) (آل عمران:35) ولم يأتِ ذكر عمران في السورة، بل كان التركيز على المرأة، وكأنها رسالة أنها من بيدها إشارة البدء والتغيير، وهنا أخص النساء بكلمة وأقسم عليهن: إن كنتِ تحبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعليكِ أن تنشئي أولادك وبناتك ليعزّوا الإسلام والمسلمين، وعليكِ دائمًا أن تتذكري أن السورة سميت باسم العائلة؛ لأنهم جميعًا ثبتوا على الهدف والتفوا حوله؛ لتحقيقه، وفيها رسائل لكل أفراد الأسرة؛ ليعيشوا من أجل أهدافهم، فإياكِ أن تثبطي في الطريق، وتنسي الهدف وتتراجعي.

بدأت امرأة عمران تدعو ربها أن تنجب، وإذا بمفاجأةٍ عجيبةٍ، أن يستجاب الدعاء، وإذا بالجنين في أحشائها يتحرك، وكنا قد ذكرنا في حلقات سابقة أن الله يستجيب الدعاء، على الرغم من أنها طعنت في السن لكن من بيده الأمر؟ ومن بيده ملكوت السماوات والأرض؟ إنه الله سبحانه وتعالى لذا اذهب إليه، ولاحظ أن كل هذا بدأ بنيتها، وعندما استجاب الله لها وهبت ما في بطنها لله حيث تقول الآية: (...رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي...)، عادةً ما ينذر الناس من أجل أمورٍ دنيوية، كأن ينذر أحدٌ بشيء ما إذا وفق في العمل الفلاني مثلاً، لكن لم نر قط نذرًا من أجل الدين كما فعلت امرأة عمران التي نذرت إن كان ذكرًا ستكون حياته كلها من أجل الله، وهي من الأصل لم تطلب الإنجاب لحاجةٍ في نفسها؛ وإنما دعت الله لترزق بولدٍ تكون حياته في سبيل الله.

رُبَّ عملٍ صغير تكبره النية:
لامرأة عمران قضيةٌ أخرى تشغلها ألا وهي القبول؛ فهي تخشى ألا يتقبل الله منها ما نذرته، فهي امرأةٌ صاحبة رسالة، تمكنت منها وسيطرت على كيانها والله تعالى يعلم صدق النوايا، فإن كانت النية خالصة، سيبارك الله ويتقبل،كما سنرى في نية ونذر امرأة عمران، حيث امتدت العائلة وستبقى ليوم القيامة. فحقًّا: رُبَّ عملٍ صغيرٍ تكبره النية، ورُبَّ عملٍ كبيرٍ تصغره النية، فكم من أعمالٍ عظيمة لله تصغر لأنها لم تصاحب بنية! وكم من أعمالٍ صغيرة صدقت النية فيها لله واستعان القائم عليها بالله، فبارك له فيها وكبرها له! كأن يبدأ شخص بدعوة اثنين أو ثلاثة لطريق الله لكن بنية خالصة صادقة، فيفتح الله عليه، وبعد عشر سنوات يتحول عدد من يدعوهم إلى ملايين، كما حدث معي ومع آخرين، ولك أن تجرب بنفسك، بأن تجعل في قلبك غيرةً نحو وطنك، وأمتك، ودينك وادع الناس للهداية، وسترى كيف سيوفقك الله مثل سيدنا إبراهيم الذي أمره الله في القرآن قائلاً (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً...) (الحج:27)؟ فاندهش سيدنا إبراهيم كيف يصل صوته للناس وهو في الصحراء؟ فعلمه الله أن عليه الآذان، وعلى الله البلاغ، فاستجمع نيته، وبدأ بدعوة الناس إلى أمر الله بالحج، فيوفقه الله بصدق نيته، ونظل نحن إلى اليوم نقول: (لبيك اللهم لبيك)، وكما حدث بصدق نية امرأة عمران؛ حيث نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان ليقيم الحق.

قمة الحرية تكمن في الإخلاص لله:
تخلصت امرأة عمران من كل شريك في نيتها، وأخلصت أن يكون ما في بطنها لله وحده، لا لعزوةٍ تستشعرها بولد، ولا لمتاعٍ في الدنيا فقالت: (...رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (آل عمران: 35) وتأتي دقة استخدام كلمة(مُحَرَّرًا) كلمة (مُحَرَّرًا) لأن كمال الحرية يكمن في أن يكون الشيء لله وحده خالصًا لله وحده، فكلما كان المرء أسيرًا لشيءٍ ما، كأن تكون أسيرًا لشهرةٍ، أو أسيرًا لمنصبٍ، أو معصية، أو أسيرًا لكرسي فقد فقدت حريتك. أما قمة حريتك فتشعرها عندما تكون عبدًا خالصًا لله. فالحرية هي ألا تسيطر عليك الأرض بما فيها، وألا يسيطر عليك إلا الله، هذا ما فعلته زوجة عمران أن نوت أن تربي ابنها على ألا يكون أسيرًا لأي شيء وإنما يكون خالصًا لله، فيالك من فائزةٍ أيتها الزوجة إذا نويت أنت ذلك، فيتحول كل ما تفعلينه من أمور التربية، والتعليم، والإنفاق مع أبنائك وصبرك عليهم إلى كنوز حسناتٍ في ميزانك.

بعدما نذرت زوجة عمران ما في بطنها لله وسألته تعالى القبول جاء الرد مباشرةً (...فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ...) (آل عمران:37) فهي استجابة من السميع العليم. مرت أشهر حمل امرأة عمران، وهي تدعو الله بالقبول، منتظرةً أن تضع ذكرًا؛ لينصر الحق، حتى اكتشفت أن ما حملته أحشاؤها كان أنثى ولم يكن ذكرًا، تقول الآية (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى...) (آل عمران:36) وما أرادته امرأة عمران لا تستطيع الأنثى أن تفعله، لكن كأنها رسالةٌ من الله لنا، يريد فيها أن يعلمنا أن ليس الذكور فقط هم من باستطاعتهم النصر والعزة، فها هي مريم التي ستصبح سيدة نساء العالمين، وستدل على صفة الله الخالق بما سيحدث لها من معجزة ولادتها لسيدنا عيسى، الذي سيكون لها أثرٌ بالغٌ في الأرض؛ وسيكون سببًا في إيمان روما بعد 3000 عام من وفاته؛ وذلك لما لله من سنن في كونه، وكل هذا الامتداد وتلك البركات بسبب نية الجدة المخلصة لله، وباكتشافها أن ما حملته أنثى، خشيت ألا يكون الله تقبل منها ما نذرت، لكن لأنها ثابتة على ما نوت استطردت قائلة: (...وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ...) (آل عمران: من الآية36) ومريم تعني: (العابدة أو خادمة العباد) أي رغم أنها وضعت أنثى فهي مصرةٌ على هدفها، فإن لم تستطع هي تحقيق الهدف، فلعل يخرج من ذريتها من يحقق ذلك، وأول ما دعت به للمولودة أن يصرف الله عنها وذريتها الشيطان، وللنبي (صلى الله عليه وسلم) حديثٌ جميلٌ يقول فيه: (ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها) وذلك لما استجيب من دعوة امرأة عمران.

الإخلاص في الدعاء سببٌ في الإجابة:
رغم استحالة الإنجاب في عمرٍ متقدمٍ كعمر زوجة عمران إلا أنها أنجبت! وتمنت ألا يمس الشيطان مولودتها وذريتها، فاستجاب الله لها! كما تمنت أن يصلح ابنها وضع الإيمان في الأرض، فخرج عيسى وحقق ذلك، وسيظل له أثرٌ حتى يوم القيامة. فهل يوجد في نسائنا من لديها هذا الإحساس وتلك القوة والثبات لتنوي وتربي لتحقق هدفها؟

التواصل الدائم مع الله والقرب منه:
من خلال قصة آل عمران، يظهر صلة الزوجة بالله تعالى؛ فهي على تواصلٍ دائمٍ مع الله تحدثه دائمًا، والتواصل مع الله نوعان:
1. الدعاء.
2. المناجاة.
والمناجاة: حديثٌ مع الله، فيمكنك وأنت تقود سيارتك أن تناجيه- تعالى- أن تسأله أراضٍ عني يا رب؟ أن تقول له تعالى: لو غضبت الدنيا كلها مني فيكفي رضاك عني. أن تطلب منه ألا يَكِلُكَ إلى نفسك، أن تبثه همومك، فهذا ما فعلته زوجة عمران. ألاحظتم كيف تتحدث إلى الله؟ وكأنها اعتادت على ذلك فالمناجاة مستمرة، وفي أوقات مختلفة: (...رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، (آل عمران:36،35) ثم يأتي الرد: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا...) (آل عمران: من الآية37) فهل تستطيع أن تكون علاقتك مع ربك كهذه؟ إذا فعلت فستشعر في قلبك بحلاوة لم تتذوقها من قبل، ستستشعر اسم الله الحكيم، والودود، فعيسى ومريم نتاجٌ من نية أم ونذر أم، ودعاء أم، وهدف أسرة. إلى هنا انتهت قصة امرأة عمران؛ لتبدأ قصة مريم التي تناولناها سابقًا، فلن نستطرد في الحديث فيها.

الدعاء مجابٌ لامحالة:
بقي أن نلمح أن زوجة عمران حزنت ظنًّا أن دعوتها لم تستجب حين رزقت بأنثى، على الرغم من أن الحقيقة أنه قد استجيبت؛ وولد عيسى من ذريتها، لكن لا يجب أن تكون الاستجابة في الحال، وهذا درسٌ آخر يُساق إلينا؛ فالدعاء بلا شك مستجاب، وإن تأخرت الإجابة، فلله قوانينٌ في أرضه، ولكل شيء وقت وموعد، فزمن عيسى لم يكن وقتها، والتغيير لم يحن آنذاك، ولكنّ التجديد موجودًأ ودعوتها لم تذهب سدىً، وستجاب بعد حين، وستصبح ابنتها هي أم عيسى؛ فالتغيير في الأرض والإصلاح، وإحياء الأمم يحتاج إلى وقت، وربما الجيل الموجود في ذاك الوقت ليس هو من استحق النصر، وقد يكون هو المسئول عما يحدث، قد يكون جيلاً متخاذلاً لم يعمل، وقد يكون جيلاً عاملاً، لكن الأمر احتاج إلى وقتٍ لجني ثمار ما زرع. ترى ما بال جيلنا الآن؟ أهو جيل نهضة؟ هل نحن نعمل ونصلح في الأرض؟ وهل منا صاحب نيةٍ كزوجة عمران؟ هل منا أبٌ وأم لهما هدفٌ كهذا؟ فقد قال الله لموسى(وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً...)(يونس: من الآية87) ليكن هذا هو هدف الأسر؛ لتجتمع على طاعة الله والإنتاج والتنمية..إلخ، فكيف هو حال بيتك؟

نية أم تعز أمة:
أتمنى أن نجد بعد هذه الحلقة من النساء، من تأخذ نيةً، وتستعين بالله وتدعو أن تملك هذه النية وما ستأخذه من هدف في كيانها وتثبت عليه، كحال امرأة عمران، فلعل ما نويت يصبح مشروع النهضة الذي يعز به الله الإسلام والمسلمين، فالقصة كلها تتلخص في أن نية أم قد تعز أمة. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رابط تحميل الحلقة:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 5:01 pm

الحلقة 26 - اسم الله العفو








اسم الله العفو في القرآن: اسم الله العفو جاء في القرآن خمس مرات، مرة مقترن باسم الله القادر "...إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً " (النساء:149)، فقد أعفو عنك وأنا غير قادر عليك، لكن الله سبحانه قدير، قادر عليك، ومع قدرته عليك عفا عنك.

و أربع مقترن باسم الله الغفور "...إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً " (النساء:43)، " فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً " (النساء:99) ليريك الكرم، وليقول لك: يمكنك أخذ هذه المغفرة، ويمكنك أخذ الأكبر منها والمنزلة الأعلى وهي العفو.

ما معنى اسم الله العفو؟ كلمة (عفا) لغوياً في المعجم لها معنيين:
1. أعطيتُه من مالي عفواً: أي أعطيته شيئاً طيباً من حلال مالي، عن رضا نفس، دون أن يسأل "...يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ..." (البقرة:219) وهذا أفضل ما تنفقون من مالكم.
2. العفو: الإزالة، يقولون: عَفَت الريح الآثار: أزالتها ومسحتها، ومنها ما ورد في السيرة في رحلة الهجرة، لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور ومعه أبو بكر، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام، فأمر أبو بكر غلامه أن يمر بالغنم على آثار أقدام أسماء حتى لا يعرف الكفار طريق النبي، فتجد الرواية في السيرة: (فأمر غلامه أن يعفو آثار أسماء بنت أبي بكر).
ثلاثة أمور في اسم الله العفو: يزيل ويمحو، ثم يرضى، ثم يعطي، فهو سبحانه أزال وطمس ومحا ذنوب عباده وآثارها، ثم رضي عنهم، ثم أعطاهم بعد الرضا عفواً دون سؤال منهم. لعلك بهذا فهمت المراد باسم الله العفو، والمراد من هذا البرنامج أن تفهم، وتعيش، وتحب.. أن ننتقل من الكلام إلى الوجدان، من منزلة اللسان إلى منزلة الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه).

الفرق بين العفو والغفار:
لكي تشعر باسم العفو حقاً، اعرف الفرق بينه وبين الغفار، أسماء الله كلها حُسنى، لكن العفو أبلغ من المغفرة.. كيف ؟ هناك من يتعامل معه الله تبارك وتعالى بالمغفرة، وهناك من يتعامل معه الله بمنزلة أعظم.. بالعفو، فأنت ماذا تستحق؟ أما هو فغفور وعفو.. المغفرة أنك إذا فعلت ذنباً فالله يسترك في الدنيا، ويسترك في الآخرة، ولا يعاقبك على هذا الذنب، لكن الذنب موجود! أما العفو فالذنب غير موجود أصلاً، كأنك لم ترتكب الخطأ، لأنه أزيل ولم تعد آثاره موجودة، لذلك فهو أبلغ.. فقد تكون عملت صغائر، ولم تتقرب من ربنا أو لم تدرك ليلة القدر أو... فتأتي يوم القيامة فتجد الغفور، وقد تكون عملت كبيرة، فتبت وعدت وأدركت ليلة القدر وعبدت الله فيها... فتجد يوم القيامة العفو. والعفو لا يذكرك بسيئاتك لأنه محا، أما الغفور فقد يذكرك بسيئاتك ثم لا يعاقبك، والغفور قد يغفر لك ولا يرضى عنك، أما العفو فراضٍ بالتأكيد.

تأملوا هذا المثال: سيدنا يوسف عليه السلام عندما التقى بإخوته وندموا على ما فعلوا في حقه، قال لهم: " قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ – ثم انظر لبقية الآية - يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ...." (يوسف:92) فهل سيدنا يوسف هنا غفر أم عفا ؟ بل غفر، لا تثريب: أي لا عقوبة، ولكن هل عفا ؟ ثم بعد ذلك بعدة آيات قال: "...وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ..." (يوسف:100) فلم يقل: إذ أخرجني من البئر، لأنها مُسِحَت وانتهى الأمر، فهنا قد عفا وزالت الآثار.

مثال للفرق بين العفو والغفور يوم القيامة: حديث: ( يأتي العبد يوم القيامة، فيقول له الله تبارك وتعالى: ادنُ عبدي، فيقترب العبد، فيرخي الله تبارك وتعالى عليه ستره، فيقول له الله: أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر ذنب كذا؟ - لاحظوا أن الذنوب موجودة في الصحيفة - فيقول: نعم يا رب، فيظن العبد أنه هالك، فيقول له الله: سترتها عليك في الدنيا وها أنا أغفرها لك اليوم) هذه مغفرة، لكن العفُوّ ماذا يقول لك يوم القيامة؟ ( يا فلان، إني راضٍ عنك لما فعلت في الدنيا، قد رضيت عنك وعفوت عنك، اذهب فادخل جنتي) أرأيت الفرق بين هذه وتلك؟ فأي منزلة تريد أنت؟ والعفُوّ تلقاه يوم القيامة فيقول لك: ( تمنَّ يا عبدي واشتهي، فإني قد عفوت عنك، فلن تتمنى اليوم شيئاً إلا أعطيتك إياه).

كيف يمحو ويعفو؟ ينسيك الذنب، وينسيه للملائكة وملَك الشمال، ويُمحَى من صحيفة السيئات، وتأتي يوم القيامة لا يذكّرك به ولا يسألك عنه.. أنت لم تخطئ.. " وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ " (ق:21)، فحتى الملَك لا يذكر هذا الذنب، وإن كان كبيراً وفاضحاً.. مادام الله عفاه عنك بليلة القدر فالكل سينساه " اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً " (الإسراء:14) فتجد ذنوباً موجودة في كتابك وقد غُفرت، لكن هذا الذنب غير موجود لأنه عُفي. أرأيت إن عفا كل ما مضى؟! كانت صفحة بيضاء وكأن صاحبها نقيّ منذ وُلِد إلى أن مات. " الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " (يس:65) يشهدون على ذنب قبله وذنب بعده، ولا ينطقون بهذا الذنب لأنه عُفي عنه، قد تذكره في الدنيا ويؤرقك لسنوات، لكن في رمضان سنة 2006 عُفي عنك! فحين نموت تفنى أجسادنا ورؤوسنا وتفنى معها الذاكرة، ثم نقوم يوم القيامة بذاكرة جديدة نقية محي منها ما قد عفي عنه فلا يذكره أحد (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).

الفُضيل بن عياض أحد التابعين، يوم عرفة وهو يوم عفو مثل ليلة القدر، وقف يدعو: يا رب اعفُ عني اعفُ عني، فلما غربت الشمس بكى، والأصل أن يُحسن الظن بالله ويستبشر، فسألوه: ألست من تُعلمنا حُسن الظن بالله؟ فقال: ( لست أبكي لذلك ولكن وا خجلاه! وا حيائي منه وإن عفا!) وهذه العشر الأواخر وفيها ليلة القدر، لعل أحد الشباب كان قد تناول المخدرات، أو غش أو أخذ مالاً ليس له، أو أغضب أمه وأبكاها، ثم تاب في هذه الليلة وعفا الله عنه، سيمحوها وسينسيه إياها، وحتى أمه التي أبكاها ستنسى ذلك.. هل الإحساس بالعفو بدأ يدخل إلى قلبك ؟

عفت الريح الآثار: تأمل هذا المثال ولكن تذكر صحيفة ذنوبك أثناء ذلك. العرب في الصحراء يحفرون الخنادق حول خيامهم لينزل فيها ماء المطر، فإذا رحلوا أخذوا الخيام وتركوا الحفر فترى الأرض مليئة بالخنادق، لكن انظر إليها بعد عام، تراها عادت صحراء كما كانت، كيف؟ تمر الرياح فتعفو حتى الخنادق العميقة وليس فقط آثار الأقدام.. أريدك أن تذكر ذنوبك الكبيرة مع هذا المثال، وتذكر العفو سبحانه وتعالى، إن الذي ضرب لك مثلاً من الكون كيف أن الرياح تعفو آثار الخنادق العميقة، قادر أن يعفو، فهو سبحانه وتعالى الذي يحرك الرياح فتعفو تلك الآثار، فأنت أعظم عنده من الرياح والخنادق.

بعد المحو.. الرضا: معنى جميل جداً للعفو، فالعفُو يرضى عنك بعد المحو، فليلة القدر العفو يمحو الذنب، ثم إنه لا يؤنبك عليه، وفي الدنيا قد يسامحك أحدهم ويظل يذكرك بخطئك من آن لأخر، لكن العفو لا يذكرك بذنبك لأنه محي أصلاً وأمره انتهى، ثم يرضى عنك، فأي كرم أكثر من هذا وأي رحمة؟! أفلا تذهب بهذا الاسم وتدعو به طوال الليل؟ اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.

تخلية وتحلية : العفو يشمل هذين المعنيين، فالعفو يخليك من الذنوب، ثم يحليك بالرضا والعطاء. تطهير ثم تعطير، تماماً كما لو أنك أخذت كوباً ملوثاً فنظفته جيداً، ثم ملأته عسلاً. لِمَ كل هذا ؟ لأنه يحبك، يتودد إليك، يريد أن يرحمك فأنت أغلى الخلق على الأرض "... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..." (البقرة:30) خلق الجنة من أجلك، يقول لك: ألا تستحي مني؟! أستحي أن أعذبك ولا تستحي أن تعصاني؟ أعفو عنك ولا تأتيني؟

ماذا لو عفا عنك؟ لو عفا عنك فلا بد أن يعطيك هذه الثلاثة: يمحو آثار الذنوب، ثم يرضى عنك، ثم يعطيك عطاء حلالاً يسعدك ويرضيك دون أن تسأل، وبالتالي فالليلة ليلة هذه الثلاثة، فاجتهدوا. يقول سفيان الثوري: أحب في ليلة القدر الدعاء بما أمر به النبي أكثر من أي شيء آخر، أكثِر فيه من: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني. سليمان الدارني أحد التابعين يقول: لئن سألني يوم القيامة عن ذنوبي لأسألنه عن عفوه، لأني لا أجد لي مخرَجاً إلا أن أسأله عن عفوه.

العلاقة بين العفو وليلة القدر: ولكي نعلم هذا، لابد أولاً أن نفهم العلاقة بين العفو والتواب.
العلاقة بين العفو والتواب: أنت قد تذنب، ثم تتوب وتقول: يا رب، لن أعيدها ثانية، ثم تعود فتذنب نفس الذنب، فتتوب وتقول: يا رب لن أعيدها، ثم تذنب وتتوب الثالثة والرابعة..... وبعدها تصعب عليك التوبة، لماذا؟ فقدت الثقة بنفسك، وتخجل أن تقولها مجدداً فلا تلتزم بها، فتصبح هناك فجوة بينك وبين الله، وتصعب عليك العودة، يصبح هناك حاجزاً ولا تعود تفكر في التوبة، لكن الله يحبك ويريدك أن ترجع، فكيف يزول هذا الحاجز لتتوب من جديد؟ يزول بأمر غير عادي، غير تقليدي، شيء ضخم، هدية كبيرة يتودد بها الله إليك ليكسر هذا الحاجز، هذه الهدية اسمها ليلة القدر، فهي ليلة عفو تمحو كل ما سبقها، فما عليك إلا أن تُقدِم وتُقبِل عليه في هذه الليلة لتبدأ من جديد، حتى وإن لم تكن قد تبت، تدخل عليه بعبادتك، فيقودك العفوّ للتواب، ثم في منتصف الليلة ستخجل وأنت في عبادتك وتقرر التوبة، لأن الجدار بينك وبين التوبة قد زال، فتكون هذه الليلة بداية جديدة لك مع التوبة.
لاحظوا أن اسم الله العفو لا يأتي في القرآن إلا مع الذنوب الكبيرة الرهيبة، كـ بنو إسرائيل لما عبدوا العجل، " وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ " (البقرة:51) هذه لا تكفيها توبة عادية، ولذلك قال بعدها: " ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " (البقرة:52)، وكذلك الذين تولوا عن رسول الله في معركة أحد " إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ..." (آل عمران:155)، فلو صار الحاجز كبيراً فأنت بحاجة لاسم الله العفو.. انظروا لهذه الآية ما أجملها! " وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ " (الشورى:30) انظروا لقوله: يعفو عن كثير! فلو حاسب الله الناس بما كسبت أيديهم لما بقوا في الدنيا يوماً واحداً، ولكنه سبحانه يعفو عن كثير، لأن الكثير بحاجة إلى عفو، فيقود إلى توبة.

وهناك علاقة أخرى بين العفو وليلة القدر، فقد سميت ليلة القدر لأن بها تقدّر أرزاق العباد للعام القادم، فما أجمل أن تكون ليلة تقدير وضعك للعام التالي هي ليلة عفو لتبدأ العام الجديد وأنت نقي.

إصلاح الأرض بحاجة إلى إنسان متجدد: فالأمر ليس فقط حب الله لنا ، فالغاية من وجودنا تعمير الأرض وإصلاحها. الإنسان الذي يعيش داخل ذنبه إنسان متعب ضعيف كئيب غير قادر على تجديد نشاطه، ولا على الإنتاج والنجاح والعمل، فتأتي ليلة القدر كل سنة لتجدد الأمة كلها نشاطها وهمتها وطاقتها، لتبدأ من جديد أمة محمد صلى الله عليه وسلم مع اسم الله العفو لتكون سنة خير على الأمة، فنقول: فاعف عنا جميعاً، ليعم الخير العام القادم على الأمة كلها.


نصوص.. في اسم الله العفو:
تأمل الآيات والأحاديث التي تتحدث عن اسم الله العفو، وتأمل حركة الكون: ( ما من يوم إلا ويستأذن البحر ربه، يقول: يا رب ائذن لي أن أهلك ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول الأرض: يا رب ائذن لي أن أبتلع ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول السماوات: يا رب ائذن لي أن أطبق على ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، فيقول لهم الله: دعوهم، لو خلقتموهم لرحمتموهم).

يقولون في الأثر أن العبد العاصي إذا جاء إلى الله تبارك وتعالى في ليلة القدر، وهو شديد العصيان، يناديه: يا رب اعف عني، يا رب اعف عني، يا رب اعف عني، ( فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة: لا تحجبوا صوت عبدي عني، فيقولون: يا رب إنه لا يستحق عفوك لقد فعل وفعل وفعل، فيقول الله: ولكني أهل التقوى وأهل المغفرة، أشهدكم أني قد عفوت عن عبدي).
وفي الحديث القدسي: ( ابن آدم، خلقتك بيديّ وربيتك برحمتي وأنت تخالفني وتعصاني، فإن عدتَ إليّ قبِلتك، فمن أين تجد لك رباً مثلي وأنا الغفور الرحيم؟! ابن آدم خلقتك من العدم إلى الوجود وأوجدت لك السمع والبصر والقلب والفؤاد، أذكرك وأنت تنساني، أستحي منك ولا تستحي مني، من ذا الذي يقرع بابي فلا أفتح له؟ ومن ذا الذي يسألني فلا أعطيه؟ أبخيل أنا فيبخل عليّ عبدي؟).

(جاء رجل إلى النبي، فقال: يا رسول الله، إني شديد الذنوب، أرأيتَ إن تبتُ إلى الله الليلة يعفو عني؟ فقال له النبي: نعم، فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي؟ قال: يعفو عنك، وغدراتك وفجراتك، فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي؟ قال: يعفو عنك، وغدراتك وفجراتك، فمضى الرجل وهو يقول: الله أكبر! الذي يعفو عن الغدرات والفجرات). يا إخوتي يجب أن نتوب، فهو قد جعل لنا هذه الليلة لنتوب، " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ " (الحجر:49،50)
جاء أعرابي إلى النبي فقال: (يا رسول الله، من سيحاسب الناس يوم القيامة؟ فقال النبي: الله، فقال: بنفسه؟ فقال النبي: بنفسه، فقال الأعرابي: الله أكبر! وابتسم، فقال النبي: لِمَ يبتسم الأعرابي؟ قال: يا رسول الله، إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح، فابتسم النبي وقال: فَقِهَ الأعرابي – أي فهم - ألا لا كريم أكرم من الله عز وجل).

ومن عجيب عفوه يوم القيامة، أطفال المسلمين الذين ماتوا، ( فيأتون يوم القيامة فيقول لهم الله: اذهبوا فادخلوا الجنة، فيقولون: لا يا رب لا ندخل حتى يدخل معنا آباؤنا وأمهاتنا، فيقول الله للأطفال: قد عفوت عن آبائكم وأمهاتكم، خذوا بيدي آبائكم وأمهاتكم فادخلوا الجنة).
وعفو خاص لأمة مُحمّد. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( عرضت عليّ الأمم يوم القيامة، فرأيت النبي يأتي وليس معه أحد، ورأيت النبي يأتي ومعه الرجلين، ورأيت النبي يأتي ومعه الرهط، ثم رفع لي فرأيت سواداً عظيماً، فقلت: أمتي أمتي، فقيل لي: لا، هؤلاء موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق الآخر، فنظرت فإذا سواد يسد الأفق، فقيل لي: هؤلاء أمتك، ومعهم سبعون ألفاً عفا الله عنهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا سؤال، فاستزدتُ ربي، فزادني مع كل ألف سبعين ألف).

ثم عفو عجيب لأُناس بعدما استحقوا النار، ترى هل يكون بيننا أحد هؤلاء؟ ليتهم أدركوا ليلة القدر! رغم كل هذه المبشرات إلا أن هناك من سيدخل النار، فهل أولئك ليس لهم عفو؟ بلى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ينادي الله تبارك وتعالى يوم القيامة بعد أن دخل أهل الجنة الجنة، لكن بقي من أمتي أناس في جهنم، فينادي الله تبارك وتعالى: يا محمد، اذهب فأخرج من النار من كان في قلبه من أمتك ذرة من إيمان، فأخرج أناس، لكن يبقى أناس في النار، فأسجد تحت العرش، وأناجي الله في أمتي الذين مازالوا في جهنم، أقول: يا رب، أمتي أمتي.. فيقول الله تبارك وتعالى: اذهب يا محمد فأخرج من النار، ويحدّ لي حداً، فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، ثم أعود فأسجد تحت العرش، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيحد لي حداً، فأذهب فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، ثم أعود فأسجد تحت العرش، فيحد لي حداً، فأذهب فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، ثم أعود الرابعة، فيحد لي حداً، فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، لكن يبقى من أمتي ما زال في النار، فأستحي من ربي، فينادي الله تبارك وتعالى: شفع الأنبياء، شفع المرسلون، شفعت الملائكة، شفع المؤمنون، شفع حبيبي مُحمّد، أفلا أعفو أنا ؟! فيخرج الله تبارك وتعالى من بقي من أهل لا إله إلا الله، فيخرجهم من النار وقد تفحموا من النار، فيضعهم في نهر يسمى نهر الحياة، فكأنما ينبتون نباتاً، مكتوب على جبائنهم: هؤلاء عتقاء الله من النار، فيقول لهم: اذهبوا فادخلوا الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون - الخارجون من جهنم - فيقول لهم الله: لا، هؤلاء عتقاء الجبار من النار هؤلاء عتقاء الرحمن من النار).
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.. هل أنت مستعد لليلة القدر؟ هل ستذهب بكل كيانك؟ هل عرفت قيمة هذا الدعاء البسيط؟ هذا الاسم العظيم الجليل من أسماء الله الحسنى، الاسم الذي يجعلك تتساقط خجلاً. عيشوا مع هذا الاسم هذه الليالي وأبلغوه للناس.

كيف نحيا بهذا الاسم:
كلمة واحدة.. اعف عن الناس كي يعفو الله عنك. اجعلوها ليلة عفو، لأن هذه الليلة أغلى من الدنيا بما فيها، وقل له: يا رب اشهد، فأنت الكريم العظيم العفو، أنا المخلوق الضعيف عفوت عن الناس يا رب، فاعف عن هذا المسكين الذي عفا.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( رجلان من أمتي جثيا تحت العرش يوم القيامة، فقال المظلوم: يا رب، خذ لي مظلمتي من أخي، فيقول الله لمن ظلم: أعطِ أخاك مظلمته، فيقول: كيف يا رب؟ فيقول: أعطه من حسناتك، فيقول: يا رب فنيَت حسناتي! فيقول الله للمظلوم: فنيت حسناته، فيقول: يا رب فخُذ من سيئاتي فاطرحها عليه، فيقول الله للمظلوم: هل لك في خير من ذلك؟ فيقول: وما خير من ذلك يا رب؟ فيقول له الله: انظر إلى ذلك القصر، فينظر فإذا قصر في الجنة لم ير مثله، فيقول يا رب لمن هذا القصر؟! لأي نبي هذا؟ لأي شهيد هذا؟ فيقول له الله: لمن يملك الثمن! فيقول: يا رب ومن يملك هذا الثمن؟ فيقول له الله: أنت تملكه، فيقول: كيف يا رب؟ فيقول: بعفوك عن أخيك، فيقول: عفوت يا رب عفوت يا رب، فيقول العفو: خذ بيد أخيك فادخلا الجنة سوياً).. أهذا هو إلهنا؟! خالقنا؟ أيحب العفو بين العباد هكذا؟ أهذا ما يأمرنا به؟ هل عندك استعداد للعفو؟ هل يمكنك أن تعفو لو تكلم أحدهم في عرض ابنتك؟
أبو بكر الصديق يوم حادثة الإفك، بعدما برّأ الله السيدة عائشة، أقسم أن يقطع نفقة كان يجريها على مُسطح بن أثاثة، فأنزل الله تبارك وتعالى: " وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ..." (النور:22)، فقال أبو بكر: بلى، أحب أن يغفر الله لي، والله لا أقطع عنه المال ما حييت، وأعاد له النفقة.
يا إخواني، لو تقطعت العائلة واختلف الإخوة، فهذه ليلة عفو، لو ظلمكَ شريكك، لو ظلمكِ زوجك، فهذه ليلة عفو، بالله عليكم لا تبيتوا الليلة إلا وقد عفوتم عن الناس. سيدنا عمر بن الخطاب وقف بين الناس في ليلة القدر، فقال: أيها الناس، كل الناس الليلة مني في حِلّ، ثم التفت وقال: قد عفوت يا رب، فاعف عني.
نخرج من هذه الحلقة بثلاثة أمور: العفو يمحو آثار الذنوب كأن لم تكن وينسيك إياها والملائكة يوم القيامة، ثم يرضى عنك، ثم يعطيك عطاءً حلالاً طيباً يوم عفا عنك.

دعاء ليلة القدر: ولنحرص أن لا تفتر عنه ألسنتنا.. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.. اعف عن الناس بالنهار، يعفُ العفو عنك بالليل.




رابط تحميل الحلقة:
http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1255.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 5:05 pm

الحلقة 27 - كيف نثبت بعد رمضان


ابن رجب أحد علماء المسلمين في القرون الأولى للإسلام .. كتب شعر في آخر ليلة من ليالي رمضان يقول فيه:
ياشهر رمضان ترفق، دموع المحبين تدقق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق، عسى وقفة للوداع تطفىء من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام كل ما تخرق، عسى أسير الأوزار يطلق، عسى من استوجب النار يعتق، عسى رحمة المولى لها العاصي يوفق

ماذا بعد رمضان ؟؟؟
هيا بنا لنتفق علي بعض الوصايا التي تعينا على الثبات بعد رمضان ..

الوصية الأولى : أحذر شيطانك : أنك منذ شهر في عبادة طويلة مع الله ، بعد إنتهاء رمضان وفي أول يوم العيد سيحدث لك نوع من التراخى لكن في اللحظة التي يحدث فيها هذا التراخي، بيكون الشيطان بيفك أسره ،الشيطان يرغب أن يوقعك ليس في ذنب وإنما يوقعك في معصية كبيرة ... ليه ؟.؟؟
ليجعلك تيأس، ليقول لك بعد كل ما فعلت في رمضان من عبادة وصوم أنا قدرت أني أوقعك في المعصية من أول يوم ... عارفين يوم العيد ماذا يحدث في الشوارع!! ما يحدث في الشوارع يوم العيد بيكون من سعرة الشيطان ... لان الشيطان حريص علي رسالته وهي أنه يوقعك في المعصية ويدخلك جهنم..
هو عايز من أول يوم عيد يوقعك في كارثة مثل علاقات محرمة ، أو خناقة زوجية شديدة بين الزوج وزوجته أو خناقة مع أبوك وأمك .. المهم أنه لابد من حدوث مشكلة كبيرة .. هو عايز يضيع لك ما تفعله قرابة الشهر من عبادة وتذلل لله في رمضان .. لكي يجعلك تيأس من نفسك .

ولذلك تقول الآية " وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ " سورة سبأ
ولكن لن يصدق ظن إبليس علينا جميعا لأن تكملة الآية تقول وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ "

فيترى أنت من أي فريق ؟؟ هل أنت من فريق المؤمنين؟ ولا من الذي صدق عليهم إبليس ظنه ؟
يقول الله تبارك وتعالى " وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا " سورة النحل
لا تضيعوا الغزل الجميل الذي تم غزله في رمضان .. لذلك فأنا أول وصية أوصيك بها أن تمسك زمام نفسك في أول أسبوع .. إياك والمعاصي في أول أسبوع .. خاصة المعاصي الكبيرة مثل الخناقات وعقوق الوالدين ، علاقات محرمة .. أرجوكم اثبتوا أول أسبوع

ثانيا : إياك والهبوط من الهمة العالية ...
أنعم الله علينا بعبادة طويلة في رمضان أتذكر صلاة القيام و قراءة القرآن ، أتذكر التهجد والدعاء الذي كنت تدعو به، ليس من المعقول أن نترك كل هذا بعد رمضان !!! وفي نفس الوقت من المستحيل أن نرجع للعبادة التي كنا فيها أيام رمضان ولكن من الممكن أن نحافظ على الحد الأدنى الذي نبدأ به من يوم انتهاء رمضان ونحافظ عليه أول أسبوعين بعد رمضان ... ماذا سنفعل .؟؟؟
- أبدا ختمة جديدة في القرآن : ولو صفحة واحدة في اليوم
- الدعاء يوميا ولو دقيقتان بعد صلاة العشاء
- ذكر الله يوميا ..أذكار الصباح والمساء
- الصلوات الخمسة في جماعة على الأقل بالنسبة للشباب 3 صلوات في المسجد
- وجود الصحبة الصالحة

سئل الأمام أحمد بن حنبل "متى يجد العبد طعم الراحة؟؟"
فرد الأمام أحمد بن حنبل وقال "عندما يضع العبد أول قدم له في الجنة وقبل ذلك فلا راحة"
الراحة والسعادة والفرحة في الجنة وانما الدنيا هي دار العمل..

ثالثا : سؤال تسأله معظم الناس وهو هل قبل الله منا رمضان وأعتقنا ؟؟؟ هل يملك أحد الإجابة عن هذا السؤال ، هل حد يقدر يقول إحنا أعتقنا هذه العام أو أحنا قبلنا هذا العام ؟
يقول سيدنا علي بن أبي طالب : كان أصحاب رسول الله يعملون العمل بهمة فإذا أنتهي العمل أصابهم الهم ..يسألون أقبل منا أم لا؟؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )) أنا لدي طريقة تطمئن بها إذا كان رمضان قبل منك أم لا؟؟
يقول الله تبارك وتعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تتقون " سورة البقرة
أن تكون بعد رمضان الأصل فيك الخير والصلاح .. قم بقياس أدائك أول أسبوع بعد رمضان ... لو وقعت منك العبادات وفعلت المعاصي ... خاف على نفسك . لو وجدت أن أدائك وسلوكك أرتفع وتغير للأفضل بعد رمضان .. أفرح فبإذن الله قبل منك رمضان ، أي تحسن ليك بعد رمضان فهو من دلائل القبول.


المعنى الأخير .. لقد أكرمنا الله تبارك وتعالى بعبادته في رمضان من قرآن ودعاء وصلاة قيام وصلاة تهجد .. ولذلك فأن شكر هذه النعم التي أنعم الله بها علينا في رمضان تكون بعد رمضان .. رمضان هو نقطة بداية وليس نقطة نهاية .. أن هدفى أن مخزون العبادات والطاعة التي قمنا بها في رمضان نظل محتفظين بها أكبر فترة ممكنة بعد رمضان ..






رابط تحميل الحلقة:
http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1256.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 5:12 pm

الحلقة 28 - كيف نثبت بعد رمضان؟

http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1257.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 5:39 pm

- الحلقة 29 - كيف نثبت بعد رمضان؟

http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1258.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 21, 2009 5:42 pm



بهذه الحلقة اكون قد اتممت الجزء الاول من برنامج قصص القران

الحمد لله
ان شاء الله احاول وضع حلقات الجزء الثاني في الايام المقبلة باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 418154102

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد..الجزء الثاني   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 26, 2009 1:20 pm

السلام عليكم


احبتي بعد انتهائي من تفريغ حلقات الجزء الاول من برنامج قصص القران للداعية الاستاذ عمرو خالد
اقدم لكم الان حلقا الجزء الثاني من البرنامج ارجو من الجميع الاستفادة منها فهي حقا روعة...

الجزء الثاني يتحدث قصة النبي موسى(عليه السلام) ........

صدقوني ستجدون شرحا مغايرا وحلقات نعيشها وكاننا عاصرنا نبينا الحبيب موسى عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام.......

اليكم الحلقات تاتيكم تباعا..........

_______________________________________________

ملخص عن البرنامج:

برنامج أ.عمرو خالد في رمضان ١٤٣٠ - ٢٠٠٩ الذي يتناول بعض القصص التي وردت بالقرآن الكريم خاصة قصة سيدنا موسى عليه السلام ووصف الدنيا قبل مولده ومعاناته لإيصال رسالة ربه إلى قومه بالتصوير في نفس الدول والأماكن الأصلية للحدث مع استخدام مشاهد ثلاثية الأبعاد بشكل مشوق...


عدل سابقا من قبل فرح بغداد في الأحد ديسمبر 27, 2009 1:10 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 26, 2009 1:22 pm

الحلقة 1 - مقدمة - أيقظ فطرتك
نية قوية دافعة:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلًا بكم وكل عام وأنتم بخير سنبدأ سويًّا رمضان لهذا العام بالدعاء بأن يسعدكم الله ويتقبل منكم رمضان، ويبلغكم ليلة القدر ويعتق رقابنا من النار، ويهدي أولادنا ويشفي مرضانا، ويرضى عنا ويغفر لنا، ويزيل الهم والغم والحزن ويجعل رمضان بركة علينا، ويبارك في بيوتكم ويوسع أرزاقكم رضي الله عنا وبلّغنا الجنة في رمضان هذا العام.


أتمنى أن أبدأ بعاطفة؛ وهي أني أفتقدتكم! وأنا سعيد لأن الله تعالى يجمعنا عاما تلو العام، فهذه هي السنة العاشرة وقد أصبح لنا ذكريات كثيرة جدًّا، والبعض منا له ذكريات مع "نلقى الأحبة" والبعض مع "صناع الحياة" والبعض مع "على خطى الحبيب" و"باسمك نحيا" و"الجنة في بيوتنا" و"خواطر قرآنية"، ذكريات أصبحت تجمعنا شهدت في حياتنا أمورًا جميلة.

وكذلك يجمعنا حب وأخوة وود! وأنا أستشعر هذا تجاه من أقابلهم ويرسلون لي، وحتى إن لم تلتقِ الأعين فالأرواح تلتقي؛ لأن الناس تُعرَف بأرواحها وليس بأشكالها، وقد جعل الله سبحانه للأخوّة بركة كبيرة جدًّا، وقد كانت بيننا عبادات كثيرة اتفقنا عليها وعلى أدائها، وبيننا عهود وإيمان، فالملائكة تشهد على عشر سنوات مما اتفقنا عليه وطبقناه من صلة أرحام وغيرها، فأصبح بيننا أخوّة في الله كبيرة، وأتمنى يوم القيامة أن يذكرنا الله بهذا، ويقول لنا: تعاونتم على طاعة الله وستستظلوا بظل الله، فوالله إنها عاطفة صادقة مني تجاهكم جميعًا، ورغبة في الشد على أيديكم، وطلبًا أن نشد الهمة في رمضان القادم وإن شاء الله ننادى بالآية: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ...} (الزمر: ٧۳)، لتعاوننا على طاعة الله دون أن نرى بعضنا، فيقال لنا: ادخلوا الجنة سويًّا، وينادي الله يوم القيامة: ((أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أُظِلُكُم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)).

دعونا نبدأ بسؤال مهم جدًّا وهو: بدأ رمضان فهل أنت مستعد؟ وعلى ماذا تنوي غير الصلاة والصوم وختمة القرآن؟ هل تنوي نية كبيرة؟ خذ نية كبيرة جدًّا وابدأ رمضان بنية غير عادية. وفي الحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) كلنا نعرف الحديث، لكن هل فكرت في معناه؟ فهو يعني أن قوة الأعمال ونجاحها وتحقيقها مرتبط بالنية التي بها، فعلى قدر كِبَر النية ينجح العمل ويقبل عند الله، وتنطلق به انطلاقة هائلة، ومثال على النية الكبيرة: "أنا تائب إلى الله"، "صفحة جديدة مع الله" وتكون كل العبادة في رمضان بهذه النية، مثال على نوايا أخرى: "من اليوم سأغير حياتي من فشل إلى نجاح"؛ سأقلع عن عادة سيئة، "من اليوم سأبحث عن عمل وأترك البطالة وسأتعلم". انظر لهذه النية: "من اليوم سأحيا لله وسأفعل شيئا للإسلام"، كل هذه مقترحات من عندي، فهل يمكنك أن تكتب أنت نيتك الآن؟ وأقسم لك أنك إذا أخذت نية جديدة ستصبح إنسانا آخر وسيختلف رمضان بالنسبة إليك.

فستصلي وتصوم وتختم لكن النية ستكون مثل القوة الدافعة لانطلاق سفينة فضاء لرضا الله إلى الجنة، فلتأخذ نية كبيرة وتكتبها ولتشترط على نفسك أن تقوم بها، وعلقها في غرفتك وعاهد الله عليها وراجعها في رمضان، واكتب لنا على
www.amrkhaled.net لنقوي بعضنا البعض.

رمضان هبة من الله:

أنا أعتبر أن رمضان هبة من الله سبحانه وتعالى، فمن أسماء الله الحسنى "الوهاب"، الذي يعطي الهبات لعباده دون سابق استحقاق، ومعنى أنك عشت حتى يوم (١) رمضان أنك استلمت الهدية، فإياك ألا تشعر بها أو ترفضها أو تتركها وإلا لن يرسلها لك مرة أخرى، فأمسك بها بكل قوتك واقبلها. ولذلك فآيات الصيام في سورة البقرة آخرها: {...وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة :١٨٥)، ولكي تشعر بقيمة هذه الهبة سأذكرك ببعض الأحاديث الخاصة بثواب رمضان، والتي أعرف أنك تعلمها وقد ذكرها كل علمائنا من قبل، لكن أريد منك أن تسمعها بنية جديدة، ستجد أحاديث فضل رمضان على
www.amrkhaled.net، فلتأخذها وتعلقها في حجرتك إلى جانب النية الكبيرة.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغُلِّقَت أبواب النار وسُلسِلَت الشياطين))، فهناك ظواهر غير عادية تحدث في الأرض، فالجنة أبوابها مفتوحة للذي يريدها، والنار أبوابها مغلقة للخائف منها، والشياطين سُلسِلَت، هيا فلتنطلق، والحديث الآخر: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه))، إيمانًا واحتسابًا تعني أنه أخذ نية كبيرة، ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه)) من أدى قيام رمضان فكأنه لم يخطئ من قبل، وبدأ بداية جديدة ولم يفعل المعاصي ولا الكبائر، ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه))، وحديث آخر: ((إن الجنة لتتزين من الحول إلى الحول في شهر رمضان، فإذا دخل شهر رمضان قالت الجنة: اللهم اجعل لنا في هذا الشهر من عبادك سكانًا))، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فمن صان نفسه في شهر رمضان.... كان له قصر في الجنة لو أن الدنيا جُمِعَت فجُعِلَت في هذا القصر لم تكن إلا كمربط عنزٍ في الدنيا))، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولله عتقاء من النار في رمضان وذلك كل ليلة)).

يكتب عند الله أنه في يوم (١) رمضان قد أُعتِق فلان من النار ولن يدخلها، كلٌّ على قدر النوايا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ينظر الله في قلوب عباده فمن كان فيهم مخلصًا صادقًا أعتقه من النار))، ويقول الحديث: ((من أدى فيه نافلة كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه))، فإذا ختمت القرآن في رمضان فالحرف الواحد بـ 10 * سبعين، فهي كنوز من الحسنات تجدها يوم القيامة.

سنحيا بالقرآن:

استشعر اسم الله "الوهاب" وخذ النية وانطلق مع الختمات والقرآن، فهذا العام سنعيش لمدة ثلاثين يومًا مع القرآن في أطول قصة موجودة فيه. وقصة هذا العام تمثل حوالي ربع القرآن؛ لأن هناك العديد من السور التي تتحدث عنها بالتفصيل مثل: سورة القصص، وطه، والشعراء، والأعراف، فهي تمثل ثلاث أرباع سورة البقرة، وبالتالي فهذه فرصة - هذا العام - أن تفهم ربع القرآن. أسأل الله أن يفتح علينا ويتقبل منا وكل علمائنا في رمضان.

لذلك فإن هدفنا ونيتنا وشعارنا هذا العام: "سنحيا بالقرآن" نحبه ونحسه ونشعر به ونصلح به خلقنا ويكون هو طريقة حياتنا، ونحيا بالقيم التي به ونتذوقه. ولكي نتمكن من تنفيذ هذه الفكرة وتكبيرها لتملأ قلوب الناس فسنقوم بحملة في رمضان اسمها: "سنحيا بالقرآن" هدفها: (١۰) ملايين ختمة قرآن لكل المشاركين معنا في البرنامج، وهي كمية ليست بالكبيرة خاصة بعد أن يرسل كل منا لأقاربه ومن يعرفهم، وسنضع عدادا على
www.amrkhaled.net لكي يرسل لنا كل من قام بختم القرآن، فإذا قامت جدتك بختمة مثلا فأرسل لنا، وهكذا.

ولكي نتذكر موضوع الختمة، فقد صممتا لنا ملصقا موجودا على الموقع حملُّه فعليه شعار: سنحيا بالقرآن- (١۰) ملايين ختمة – ولننشر هذا الملصق في كل مكان لكي يتذكره الناس ويقولوا سنحيا بالقرآن.

قصة موسى:

هذه هي المرة الأولى التي نستكمل فيها حديثنا عن موضوع ما في رمضان على عامين متتاليين وذلك لأهمية هذه القصة، فهناك الكثيرون بينهم وبين القرآن حاجز، ويشعرون بعدم الفهم مع رغبتهم في ذلك، فوضع الله سبحانه وتعالى القصة لأنها الوسيلة السهلة الشيقة المفهومة من كل الأجناس؛ لأن الله تعالى غرس في الجنس البشري حبه للقصة لكونها مشوقة وجذابة، فجعل ثلث القرآن قصصا. القصة في القرآن هي المعبر الذي تعبره لكي تفهم القرآن وتنطلق، مثل السفينة التي التي يوضع بها معبرا ليعبر الناس عليه إلى الأرض، فالقصة هي الطريقة العملية السهلة التي اختارها الله تعالى لتوصيل أفكار القرآن الكبرى: التوحيد ولا إله إلا الله وأسماء الله الحسنى، سنحيا هذا العام مع قصة موسى عليه السلام وبني إسرائيل.

وهي أطول قصة في القرآن وقد ذُكِرت في (٥۰) سورة من (١١٤) سورة، كما ذُكِر سيدنا موسى عليه السلام في القرآن (١۳٦) مرة، وبعده سيدنا إبراهيم (٦۹) مرة. فكم هي غلاوة سيدنا موسى عند الله! بالفعل فهو حبيب الله ومن أولي العزم من الرُسل وكليم الله {...وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:١٦٤). من أهداف برنامج قصص القرآن لهذا العام أن تحب سيدنا موسى بشدة والذي قال له الله: {... وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طه:۳۹)، وأيضًا قال الله له: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (طه:٤١)، وقال الله تعالى له: {... إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي ...}(الأعراف: ١٤٤)، فهي قصة غالية جدًّا وكبيرة جدًّا وغنية بالأحداث، سنحيا معها (۳۰) يومًا وهي مليئة بالقيم، فسنركز كل يوم على قيمة وننفذها ونحيا بها لنستفيد من القصة في واقعنا.

قصة موسى أربع مراحل وأربعة فصول وحدثت في أربع دول: مصر، الأردن، السعودية، فلسطين، فلنذهب لبداية القصة في مصر على ضفاف النيل، فهناك بدأت القصة من زمن بعيد.

قبل مولد موسى عليه السلام:

حدثت القصة سنة ١۲۰۰ ق.م.، قبل ميلاد سيدنا عيسى بـ١۲۰۰سنة، وبين النبي صلى الله عليه وسلم وسيدنا عيسى ٦۰۰سنة، ولذلك فبيننا وبينها ۳۲۰۰سنة، وستندهش من كثرة تشابه القيم والأحداث وتتساءل هل حدثت في١۲۰۰ ق.م. أم ۲۰۰۹ بعد الميلاد؟! وكان العالم يختلف تمامًا عما نحيا فيه الآن، فكان يتكون من آسيا وأفريقيا فقط، عالم ما قبل أوروبا وأمريكا، وكانت مصر هي مركز هذا العالم، مركز للحضارة والثقافة والقوة والثروة، وكان بها علماء من طراز نادر لم تكتشف علومهم إلى الآن: علم التحنيط والكيمياء، علم فن الرسم على المعابد والحوائط، علم المعمار والأهرامات، فلو كانت جائزة نوبل معروفة في ذلك الوقت لحصدت مصر 90% منها، لكن كان ينقُص مصر شيئين مهمين رغم كل ما كان لديها، وهما: الإيمان والعدل، ولهذا فهي أكثر القصص تكرارا في القرآن ولقد جاء من أجلهما بطل قصتنا فهو بطل الحرية ونصير المظلومين.

خرج بطل القصة من قلب مصر، وكان هناك نوعان من الناس: نوع غني ونوع فقير، النوع الفقير كان يسمى بنو إسرائيل، النوع الغني كان له كل الحقوق وكان يتمتع بكل ما يحتاج إليه الإنسان السعيد، أما النوع الفقير فكان محروما من كل الحقوق وكانوا يسمون بالعبيد على الرغم من كونهم أحرار وليسوا عبيدًا.

كان بنو إسرائيل يعيشون في أكواخ بائسة على ضفاف النيل، وكانت عاصمة مصر في ذلك الوقت مدينة تسمى رعمسيس، وكانت عاصمة العالم في ذلك الوقت، مثل لندن الآن، ومثل بغداد وقت الحضارة الإسلامية، وقد خرج بطل قصتنا منها وبدأت فيها أحداث القصة واستمرت فيها، واسم المدينة كلمة مصرية قديمة، فبر رع تعني: بيت الإله رع المتمثل في رمسيس، ومكان هذه المدينة اليوم بلدة تسمى: قمطير في الزقازيق بمحافظة الشرقية بمصر، وكانت فروع النيل الكثيرة وقتها تصل حتى هناك.

وكان قصر فرعون وسط أشجار تطل على النيل، وكانت هذه الأشجار تطل على مدينة بر رع مثل التي نحن عندها الآن، وكانت هناك طبقتان تعيشان على النيل: طبقة تحيا في قصور والأخرى تحيا في أكواخ، وفي كوخ من الأكواخ الفقيرة البائسة كانت هناك عائلة مكونة من أم حامل في شهرها الرابع اسمها يوكابد وزوجها يسمى عمران، ولديها ولد وبنت، البنت الكبرى شابة في العشرين من عمرها اسمها مريم، والابن الصغير يسمى هارون، وهي حامل في مولود سيأتي بعد عدة أشهر وهو بطل قصتنا.

المشهد المروع:

سننتقل الآن لأول مشهد وسامحونا لصعوبة المشهد ولكونه غاية في الوحشية، وهو في حي من أحياء بني إسرائيل في مصر القديمة، في سكون الليل بينما الحي نائما بأكمله، انقطع السكون فجأة على صوت صراخ رهيب لامرأة، وملأ الصوت الحي بأكمله فاستيقظوا وجروا على مصدر الصوت، فوجدوه بيت من بيوت بني إسرائيل ووجدوا جنودًا بعربات تجرها خيول يجرون مسرعين، فوجدوا أحد الجنود يمسك سكينًا يقطر دمًا، فجروا على البيت مصدر الصوت فوجدوا تحت الباب قطرات من الدماء، فدخلوا فوجدوا امرأة تصرخ وتبكي، كانت وضعت مولودها منذ شهرين، وفجأة اقتحم الجنود البيت وأزاحوا زوجها وسألوها إذا كانت وضعت مولودًا منذ شهرين، فردت: نعم! فطلبوا المولود، فأتى والده بالطفل فأخرج جندي سكينًا وذبح المولود، فصُدِمَت الأم وصُدِم كل بني إسرائيل، وتساءلوا عمن وراء هذه الجريمة؟!

سألوا والد الطفل عما فعله ليحدث معه هذا! وأيًّا كان ما فعله فهل يستحق هذا المشهد الوحشي؟! اجتمع بنو إسرائيل في حيهم بعد الفجر، يتحدثون عن الجريمة وسببها، وتساءلوا فيما بينهم: هل نشتكي أم نسكت؟ والعجيب أنهم خافوا من الشكوى حتى لا يحدث معهم أكثر من ذلك. وهنا ومع المشهد الأول تظهر أول صفة في قصتنا هذا العام وهي: الذل، الذي لم يترك لديهم أي قطرة نخوة حتى بعد ذبح أبنائهم.

وحدثت بعد أسبوع القصة نفسها لطفل آخر –ذكر- ذبح في بيت آخر، لكن الجديد في البيت الثاني شيء غريب! وهو أن الأم كان لديها ولد وبنت حديثي الولادة، فأخذ الجنود الولد وذبحوه، فجرت الأم على البنت واحتضنتها فضحك الجنود قائلين: لا تخافي فلدينا تعليمات ألا نقترب من الفتيات سنأخذها حين تكبر!

وتكررت الجريمة نفسها في الأسبوع الثالث في بيت ثالث، لكن هذه المرة قاموا بشيء جديد فبعدما ذبحوا الطفل ألقوه في النيل! تخيل معي مشاعر الأمهات! وبعد شهر وصل عدد الأطفال الذين ذُبِحوا عشرة أطفال في عشرة بيوت، تخيلوا الرعب الذي عاشه الناس والأمهات هناك في ظل هذه الجريمة الوحشية، حيث لا توجد جريمة مثلها في التاريخ، والعجيب أن من حدثت معهم هذه الجرائم من أطفال أبرياء تدور الأيام ويقوموا بفعل ما حدث نفسه معهم في العالم اليوم، يتكرر الماضي لكن من عجائب القدر أنهم هم من يفعلونه في أطفال فلسطين، واسألوا محمد الدرة.

أيقظ فطرتك:

ووسط دهشة أهل الحي بين كونها جريمة منظمة أم جندي مجهول أم تطهير عرقي؟ بدأ يدور في أذهانهم سؤال، أعرف أنكم أيضًا تسألونه الآن وهو: لماذا يا رب لم تمنع المجرم الذي قام بهذا؟ ولماذا لم يتدخل الله بمعجزة ببطشه ليقضي على هذا الوحش؟ ولماذا لم يتدخل القدر ليمنع هذه الوحشية التي هي أكبر من الظلم؟

قصة موسى مليئة بالقيم ونحن سنختار قيمة كل حلقة ونركز عليها ونتواصى بها، ونضع جدولا على www.amrkhaled.net بقيم كل يوم، ونطلب منكم أي إدخال فكرة أو خاطرة أو شعر أو صورة، أو موقف شخصي يقوي هذه القيمة وسنضع جائزة يومية على الموقع، وقيمة اليوم للإجابة على سؤال: لماذا يا رب تركته يحدث؟ هي ما تسمى: الفطرة البشرية، وقيمة اليوم: أيقظ فطرتك، والفطرة هي بذرة الحق التي غرسها الله في كل قلب بشري، وهي جرس إنذار داخل القلب مثل الوخز عندما ترى ظلما شديدا أو وحشية، وهو ختم الله الذي ختمه على كل قلب وتستحيل إزالته من كل البشر {... فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ...} (الروم:۳۰) ويكون هذا الختم على اختلاف أجناسهم وأديانهم وأعمارهم.

إنه جهاز وضعه الله في كل النفوس يضطرب عند الظلم الشديد أو الوحشية، حيث تستريح تلك الفطرة كلما اقتربت من الحق و تضطرب كلما اقتربت من الظلم وتغضب وتستيقظ، وتخرج خارج حواجز العقل وترفض أي مبرر للوحشية والظلم الشديد حتى تقف وتواجه الظلم وتنتصر عليه، فهي جهاز مثل العين والأذن، وإذا تدخل الله تعالى بمعجزته، إذن ما قيمة الفطرة التي خلقها؟ فهي أيضًا معجزته، وإذا تدخل الله سبحانه وتعالى ببطشه فإذًا لا داعي للقلب أو الفطرة، فهي تستيقظ عند حدوث وحشية لأنها دليل قدرة الله فحركتها دليل على أنك مستيقظ.

وعندما حدث هذا الحادث الوحشي في بيوت بني إسرائيل بدأت الفطرة تستيقظ وكأنها أول النجاة والعزة فبداية القصة (فِطَر مستيقظة)، وقيمة اليوم: أيقظ فطرتك، حلقة اليوم كلها تريد أن تنقل لك هذا المعنى: هل أنت صاحب فطرة مستيقظة؟

فحين بدأت فِطَر بني إسرائيل في الاستيقاظ أخرج الله سبحانه وتعالى من بينهم صاحب فطرة عظيمة مستيقظة أيقظهم كلهم هو موسى عليه السلام، هل تحب سيدنا موسى؟ هو حبيب الله وكليم الله الذي اصطفاه الله وقال له: {... يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي...} (الأعراف:١٤٤)، كما قال الله له: {... وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طه: ۳۹)، وقال الله تعالى له: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (طه:٤١)، وهو الذي كان يتأسى به النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يؤذيه أحد ويقول: ((رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من ذلك)) لأنه صاحب فطرة مستيقظة واجهت كل الظلم والوحشية التي رأيناها، موسى عليه السلام أكثر فطرة مستيقظة خرجت حين بدأت الفِطَر في بني إسرائيل تستيقظ في المكان الذي نحن نتحدث منه ونحكي عنه.

كيف تعرف إن كانت فطرتك مستيقظة أم لا؟ كلما اقتربت من الحق تستريح وتهدأ وكلما اقتربت من الباطل أو الظلم الشديد أو الوحشية تضطرب وتقلق وتريد أن تتحرك لتغيير هذا الظلم الشديد. سؤال اليوم: كم درجة من عشرة تعطيها لنفسك في يقظة فطرتك؟ فبنو إسرائيل كانوا نائمين لدرجة أن يُذبح أبناءهم فيخافوا من الشكوى أما موسى فقمة استيقاظ الفطرة، فكم من عشرة تعطي لنفسك ما بين موسى وبينهم؟ يوجد اليوم استقصاء على
www.amrkhaled.net مكون من عشرة أسئلة تعرف بها إذا كنت صاحب فطرة مستيقظة أم لا؟

وبعدما حدث مع بني إسرائيل بدءوا يتساءلون: هل نقيم مأتما أم لا؟ فعدد الأطفال الذين ماتوا ليس قليلا، وبدءوا يسألون الحي الآخر لبني إسرائيل هل هو حادث فردي معهم لخطأ منهم أم لا؟ فكانت المفاجأة أنه ذُبِح من الحي الآخر عشرة أطفال أيضًا، فقرروا إقامة مأتم لأكبر مجزرة وحشية شهدها التاريخ، تخيل المأتم والأمهات العشرة الفاقدات أبناءهن في المأتم، وهذا مأتم آخر سيقام لأن عدد الأطفال وصل حتى ألف طفل، فمن المجرم الحقيقي؟ ولماذا قام بتلك الجريمة؟ وما السبب؟ سنعرف كل ذلك لاحقا بإذن الله.



شاهد الصور الفواتغرافية للحلقة الاولي .. والتي صورت من أماكن الأحداث الحقيقة أثناء التصوير


رابط تحميل الحلقة:

http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1295.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 26, 2009 1:44 pm

الحلقة الثانية - قيمة العدل



بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أهلا بكم، إن شعارنا لهذا العام (سنحيا بالقرآن).

يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة) لقد أقررنا اتفاقية بينكم وبيننا بأننا سنقوم بحملة سنحيا بالقرآن، ملصقٌ سنضعه في كل مكان ولقد اتفقنا عليه وهو موجود على موقع www.amrkhaled.net من الممكن أن تقوموا بعمل تحميل له، فنحن نريد عشرة ملايين ختمة للقرآن في رمضان؛ لكي نقابل بها الله تعالى ونفرح بها يوم القيامة، ولقد وضعنا على الموقع عدّادا فاشتركوا معنا لنحيا بالقرآن ونعيش بالقرآن لنصلح به حياتنا.



[size=24القرآن والقيم:[/size]

بالقرآن الكثير من القيم لإصلاح الحياة كلها، انظروا الآية الجميلة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ...} (الأنفال: الآية ۲٤ ) بماذا يحيكم؟ بالقيم الموجودة في القرآن وبالمعاني العظيمة الموجودة في القرآن ولهذا شعارنا سنحيا بالقرآن. سنأخذ في كل حلقة قيمة من القيم التي يقول عنها الله تعالى {...إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ...} قيمة في كل يوم من خلال قصة سيدنا موسى، وسنجمع كل هذه القيم في جدول، وسنختار قيمة في كل مرة.

قيمة العدل وعدم الظلم:

ويجب أن نركز على هذه القيمة الموجودة في قصة سيدنا موسى ألا وهي "عدم ظلم الآخرين". إياك أن تقف أمام الله يوم القيامة وأنت ظالم أو معين لظالم أو ساكت على ظلم، فلا تظلم أمًّا أو تحرمها من أولادها، إياك وظلم الضعيف أو أن تظلم خادما أو خادمة تعمل لديك، إياك أن تظلم موظفا بسيطا أو أن تأكل حق يتيم أو أرملة، وإياك وظلم الأجير أو تأخير حقه، إياك ودعوة المظلوم فلا يوجد بينها وبين الله حجاب، إياك أن يراك المظلوم تقف مع الظالم أو تبتسم له فيدعوا عليك وعليه معا، فيغضب الله عليك كما غضب عليه، إياك أن تمشي على أرض الله وتحت سمائه وأنت ظالم، حيث يقول الله تعالى: {... فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (الأعراف: الآية٤٤)، فالظالم ملعونا لا يفلح أبدًا لا في الدنيا ولا في الآخرة، يقول تعالى: {... إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (القصص: الآية ۳٧) فمهما كان مع الظالم أنصار ليساعدوه فإنهم في النهاية سيتخلون عنه {...وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (المائدة: الآية ٧۲) إياك والظلم، إياك وأن تعدل مع الناس وتظلم أهل بيتك، إياك وظلم زوجتك، إياك وضربها أو إهانتها أو أن تعيّرها بأهلها أو تحرمها حقوقها، إياك وظلم أولادك في المعاملة، إياك وظلم أبويك بسوء المعاملة إلا أبويك فدعوتهما مستجابة سواءً إن كانت الدعوة لك أم عليك، إياك وظلم نفسك بأن تسكت وتقبل بالذل فتعتاد عليه فتصبح ظالما لنفسك.

إياك أن تدخل رمضان وأنت تظلم. هل تريد أن يعتقك الله هذا العام؟ هل ترغب في بلوغ ليلة القدر؟ هل تريد أن يكتب الله لك قصرا في الجنة ويغفر لك؟ لا يمكن وأنت ظالم وذلك لقوله تعالى: {...وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (هود: الآية ٤٤) وقوله أيضا: {... وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (البقرة: الآية ۲٥٨) ، أترى خطورة الموضوع؟ إذًا ما هي قيمة اليوم؟ قيمة اليوم هي العدل فلا بد منه، هل أنت مستعد لكل ذلك؟ فما بالك بيوم القيامة؟ يقول تعالى: {...إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا } (الكهف: الآية ۲۹) هذا عقاب الظالمين فإذا دعتك قوتك أن تظلم الناس فتذكر قوة الله عليك {...وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا...} (البقرة: الآية ١٦٥)، فالله تعالى أقوى من الجميع، هناك دائما قانون يقول بأنه إذا ظلمت يسلط الله عليك من يظلمك فيأخذ حق المظلوم منك، وكما ظَلمت يأتي من يظلِمُك ويؤذيك وينتقم منك، وتعالوا نعود لقصة سيدنا موسى.

ذبح فرعون لذكران بني إسرائيل:

ذكرنا من قبل أن بني إسرائيل قُتل منهم أطفالهم، وكانوا أطفالاً رضعا، فكان الجنود يتركون الإناث ويأخذون الذكور فيذبحونهم ويلقون بهم في النيل. عشرة أطفال ولم تعلم بنو إسرائيل ما الأسباب؟ أو ما الجريمة التي ارتكبوها؟ ومن وراء هذه الجريمة؟ أو حتى لمن يشتكون؟ ففكروا أن يرفعوا الأمر لفرعون ويشتكون إليه، ولكن هل سيصل صوتهم إليه؟ أصعب شيء أن تُظلَم ولا تستطيع أن توصل صوتك إلى ولي الأمر، فأخذوا يستقصون الأمر وكانت المفاجئة أن من أصدر قرار ذبح الأطفال كان فرعون نفسه، أصابت بني إسرائيل مصيبة فقد أصدر فرعون قانون منذ شهر بقتل الذكور من بني إسرائيل، وقد قتل حتى الآن عشرة ولكن بعد ذلك سيصل العدد إلى ألف طفل ذبيح، وقد سمع بهذا الكلام عائلة مكونة من أم وأب وأطفالهما الاثنين، اسم الأم "يوكابد" وهي أم مؤمنة مخلصة قوية، واسم "يوكابد" في اللغة العبرية القديمة معناه عزيزة أو كريمة، يبدو أن من أسماها بذلك شعر بالأزمة التي يعيشها بنو إسرائيل من ذل، فأحب أن تكون ابنته غير ذلك فأسماها عزيزة أو كريمة هذه هي الأم، أما الأب فاسمه "عمران" وجدّ هذا الأب هو سيدنا يعقوب هؤلاء هم عائلة سيدنا موسى عليه السلام. تعالوا معنا لنعرف شجرة العائلة الخاصة بسيدنا موسى ونعرف من هم أجداده ومن أين أتى؟ ومن أين أتى أبوه عمران؟

شجرة العائلة الخاصة بسيدنا موسى:

تبدأ شجرة العائلة بسيدنا يعقوب فهو الجد الأكبر لسيدنا موسى، وتحت سيدنا يعقوب ستجد الاثنى عشر أخا لسيدنا يوسف، ومن أخوة سيدنا يوسف أخ يسمى "لاوي" من نسله "عازر" فـ" قاهث". ينحدر بعد ذلك عمران وأخيرًا الأخوة الثلاثة: مريم وهارون وموسى عليه السلام، وبالمناسبة بين سيدنا موسى وسيدنا يوسف أربعمائة عام، فسيدنا يوسف هو أخو جده.

ولكن تعالوا نعود إلى سيدنا موسى، لما وقع الظلم على بني إسرائيل؟ وما السبب الذي جعل فرعون يذبح أولادهم؟ أم أنهم فعلوا شيئا ما؟ لكي نجيب على هذا السؤال يجب أن نعود إلى الوراء منذ أربعمائة عام مضت، فنعود لعصر سيدنا يوسف، لماذا جاء بنو إسرائيل إلى مصر من الأساس؟ وماذا حدث خلال الأربعمائة عام؟ وهل جاءوا معززين مكرمين أم جاءوا مذلولين؟ وما الذي حدث لهم خلال الأربعمائة عام حتى يصلوا لذبح أولادهم و يأتي سيدنا موسى في النهاية ليخلصهم؟ لنعد إلى الوراء أربعمائة عام، ظَلم بنو إسرائيل فظُلِموا، وظَلم غيرهم فجاء من يظلِمه واستمرت الدائرة إلا واحد منهم كان عادلاً فظل كريما محترما عزيزا، ولم يكن سيدنا موسى قد ولد بعد، لكي يعلمنا الله ألا نظلم، فالقصة كلها مبنية على خطورة الظلم في تاريخ البشرية.

كيف دخل بنو إسرائيل مصر؟

كان هناك طفل صغير يسمى يوسف عليه السلام ألقي في البئر فجاءت السيارة فأخذوه وباعوه لعزيز مصر وعاش في بيت عزيز مصر وربته امرأته فكبر، ثم راودته امراءة العزيز وعندما رفض تم إدخاله السجن، وحصلت بعد ذلك المجاعة والأزمة الاقتصادية بمصر فأصبح عزيز مصر ثم أصبح وزيرا مشهورا وأتى بعائلته، فكان يوسف عليه السلام أول من دخل إلى مصر من بني إسرائيل وهو طفل صغير. أترون تدبير الله عز وجل وكيف يدير الله الكون؟ كيف أن حدثا مثل رمي طفل صغير في البئر يكون سببا في تغيير مجرى تاريخ أمة وأمم أخرى كثيرة غيرها؟! عندما حدثت بمصر مجاعة شديدة رأى الملك رؤيا بأن سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وأمر الملك وقتها أن يخرجوا يوسف من السجن معززا مكرما- انظر إلى بداية سيدنا يوسف معززا مكرما وانظر إلى نهايتهم وكيف سيصبح الظالمون مذلولين بسبب الظلم؟!- سيكون سيدنا يوسف معززا لدرجة أن الملك سيقول كما جاء بالآية الكريمة { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ{٥٤} قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِن الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ{٥٥} وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ .... {٥٦} } (سورة يوسف)، يقول خزائن الأرض وليس خزائن مصر لأن مصر كانت في هذا الوقت أقوى حضارة في العالم وبالتالي، عندها كل خزائن الأرض، فكان سيدنا يوسف عليه السلام هو أشهر وزير في تاريخ مصر القديمة.

تُرى من كان الملك الذي حكم مصر في هذا الوقت؟

لقد حكم مصر في هذا الوقت قوم يسمون بالهكسوس، ولقد حكم الهكسوس مصر حوالي مائتي عام وذلك في خلال فترة وجود سيدنا يوسف بمصر. لم يكن الهكسوس من مصر وكانت أول مرة تحكم مصر القديمة من قِبل غير المصريين، ولهذا كان المصريون مستائين جدا لأن من يحكم بلادهم هم في الواقع أغراب. أتى الهكسوس من أواسط آسيا ناحية الصين، كانت قبائل نزحت لظروف اقتصادية وكانوا أجناسا مختلفة تركت وسط آسيا واحتلوا العراق ومن ثم الشام ومن ثم فلسطين، وبعد ذلك دخلوا مصر فاحتلوها لمائتي عام، وظلموا المصريين ظلما شديدا، فكره المصريون الهكسوس كرها شديدا، لأن المصري بطبيعة الحال عزيز ولا يقبل أبدا أن تُحتَلّ أرضه حيث لم يحدث هذا في التاريخ المصري من قبل.

تولي سيدنا يوسف للوزارة في عهد الهكسوس وسياسته مع الشعب:

كان الهكسوس يعلمون أن المصريين يكرهونهم فبحث الهكسوس عن أجناس أخرى غير المصريين ليساعدوهم، فوجدوا شخصا عبقريا عظيما يسمى يوسف عليه السلام، فسلموه إدارة الأزمة الاقتصادية العالمية كالأزمة الاقتصادية التي نجد أنفسنا بها الآن- من الجميل جدا أن تسمع عن مؤمن عابد لله وتقي يرفض المعصية وفي الوقت نفسه يدير أزمة اقتصادية إن سيدنا يوسف نموذج غير عادي- فقام الهكسوس بتولية سيدنا يوسف للوزارة لأنه غير مصري فهو من بني إسرائيل.

تولى سيدنا يوسف الوزارة وكان يعلم بالمشكلة التي بين الهكسوس والمصريين، كيف سيحلها سيدنا يوسف؟ هل سيُشاهد في الصورة مع الهكسوس وهو ظالم؟ هل سيُشاهد وهو غير ظالم ولكن في الوقت نفسه يساعد الهكسوس؟ اختار سيدنا يوسف العدل، كيف؟ لقد تولى سيدنا يوسف جميع خزائن العالم بمصر، فهو من يبعث بالطعام لجميع المناطق العربية فوضع سيدنا يوسف قانون يسمى "حمل بعير" أي أن أي مواطن سواء كان مصريا أو من الهكسوس أو من عائلته أو أيًّا من كان ليس له إلا حمل بعير محملا بالغذاء، أتذكرون الآية حين قال لأخوته: {... وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } (يوسف: الآية٧۲) به زعيم أي أن يوسف عليه السلام مسئول أن يحصل كل فرد على حمل بعير، ولأنه عادل فقد ظلت سيرته عطرة فأحبه المصريون وأحبه الهكسوس، ومهما تغيرت أحوال الدنيا فهو غالٍ لأنه عادل. إياك والظلم، إياك وظلم النساء، إياك وظلم الأيتام، إياك وأكل حقوق الناس، إياك ألا تعطي حق الموظف البسيط له، إياك أن تدخل رمضان وتؤدي العبادات وأنت ظالم يقول تعالى: {... وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (هود: الآية ٤٤).

لقد كان سيدنا يوسف رمزًا للعدل فظل غاليًا، ولكن لما لم تبق آثاره؟ لأن قدماء المصريين لم يخلدوا آثار سيدنا يوسف فبعد أن غادر الهكسوس مصر أزال المصريون كل آثارهم بما فيها آثار سيدنا يوسف، لكنه بقي في نفوس المصريين كرمز غالٍ كبير. وبعد أن أتى سيدنا يوسف إلى مصر واستقر بها استأذن ملك الهكسوس أن يحضر عائلته إلى مصر، وكانت هذه بداية دخول بني إسرائيل لمصر ولقد كان هذا في عهد الهكسوس - هنا نتطرق إلى نقطة مهمة: متى بنيت الأهرامات؟ بنيت منذ آلاف السنين فقد بنيت في عهد خوفو وخفرع، فقد كانت مصر مقسمة إلى أسر وقد بنيت الأهرامات في الأسرة الثالثة، وقد دخل الهكسوس مصر في الأسرة السادسة عشر، وهذا يهدم ما يزعمه اليهود الآن من قضية بنائهم للأهرامات، فهذه مغالطة تاريخية أدحضها الآن، لقد بنيت الأهرامات في الأسرة الثالثة أما دخول الهكسوس وسيدنا يوسف وبني إسرائيل لمصر فقد كان في الأسرة السادسة عشر.

بعد موافقة ملك الهكسوس وترحيبه بمجئ عائلة سيدنا يوسف أتى سيدنا يعقوب ومعه الأخوة الاثنا عشر. إذًا، فبداية دخول بني إسرائيل لمصر كانت بدخول سيدنا يعقوب وأخوة يوسف الاثنا عشر، كان مجموع عدد من دخل مصر من بني إسرائيل ستين فردا وكانوا جميعا أسرة سيدنا يوسف وهم سيدنا يعقوب والأخوة الاثنا عشر وأبناؤهم وأحفادهم، فدخلوا مصر ٦۰ فردا ولكن عندما خرجوا منها كانوا ستمائة ألف.

الأرض التي أقام عليها بنو إسرائيل:

أحب ملك الهكسوس أن يكرم سيدنا يوسف فأراد إعطاءه أفضل أرض زراعية بمصر، طبعا هذه الأرض من قوت وجهد وتعب المصريين، فرفض سيدنا يوسف حتى لا يكون مع الظالم ضد المظلوم، ولقد رفض بطريقة مهذبة ذكية، فقد قال له إنهم قوم لا يحترفون الزراعة ولكنهم يحترفون الرعي، وبالتالي طلب منه إعطاءه أرضا صحراوية بعيدة عن قلب مصر، حتى لا يكون قد أخذ حق المصريين، فأعطاه الملك أرض جاسان، وكانت أرض جاسان صحراوية لا يهتم المصريون بها، لأن المصريين يحترفون الزراعة وليس الرعي، وأتى يوسف بأهله، تقول الآية الكريمة: {... وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ} (يوسف: الآية۹۹)، لقد دخل سيدنا يعقوب وأخوة يوسف الاثنا عشر مصر كضيوف، لو أتى شخص ما إلى بيتك كضيف فبعد عشرين عاما سيظل ضيفا، فلا يكون له الحق أن يقول هذه الأرض حقي لأنه ضيف، ولقد ذكرها القرآن في الآية السابقة واضحة فليس لهم أي حق، والعجيب أن سيدنا موسى عندما أتى بعد أعوام طويلة طلب من فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل، فقد كانوا ضيوفا ليعودوا معه، أترون هذه الحقائق؟ أترون كم توضح هذه المعلومات كثيرا من الحقائق.

موت سيدنا يوسف وسياسة أخوته من بعده:

عاش سيدنا يوسف هو وأخوته من بني إسرائيل في أرض جاسان، وقد فرح المصريون كثيرا بوجود مثل هذا الشخص العادل بينهم، لقد أدى كل من سيدنا يعقوب وسيدنا يوسف رسالته.

ويموت كل من سيدنا يعقوب ثم سيدنا يوسف ويدفنا في أرض مصر، وقبل أن يموت سيدنا يوسف كان يعلم أن أخوته لن يحافظوا على ما عمله، فتنبأ نبوءة وهي أن رجلا من بني إسرائيل سيظهر الحق ويكسر الظلم ويخرج بني إسرائيل من الذل إلى الانتصار، وبعد موت كل من سيدنا يعقوب وسيدنا يوسف عليهما السلام غير بنو إسرائيل ما كان في عهد أخيهم، لم يظلموا ولكنهم وقفوا مع الهكسوس على حساب المصريين، رأوا ظلم المصريين بأعينهم ولم يتدخلوا فرفعوا شعار (إنه أمر لا يعنيني) وهذا في حد ذاته ظلم، فهو طالما أمر لا يخصني فهو إذًا لا يعنيني وطالما أنها ليست عائلتي ولا أولادي إذا فليُظلَموا، ولقد رأى المصريون ذلك، وزاد الطينة بلة عندما أرادوا مجاملة الهكسوس على حساب المصريين فإذا رأوا مصريا يضرب بالسوط قالوا إنه يستحق ذلك ليرضوا الهكسوس، وبدأ المصريون يرون بني إسرائيل في الصورة مع الظالم، فكرهوهم وبدأوا يدركون أن هناك فارقا كبيرا بينهم وبين سيدنا يوسف وبدأت الكراهية الشديدة لهم حتى ترسخ في أذهان المصريين أنهم والظالمون سواء وأن بني إسرائيل مثلهم كمثل الهكسوس، ودارت الأيام وأتى شخص يسمى "أحمس" وطرد الهكسوس من مصر، وكما ظلم الهكسوس جاء أحمس ليذلهم ذلاً شديدا، وكل من وقف معهم تخلى عنهم {...وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (البقرة: الآية۲٧۰). أرأيت دائرة الظلم؟ كما تظلِم ستُظلم، وتتبعهم أحمس بعد أن طردهم من مصر حتى وصلوا سوريا فتبعهم وقتلهم قتلا شديدا حتى قضى عليهم ومن بعدها اختفى الهكسوس وذلك لأنهم ظلموا. إياكم والظلم فهو دائرة إياكم أن تظلموا والديكم أو زوجاتكم أو أزواجكم، إياكم وظلم خادم أو خادمة إياكم، وظلم الأيتام والأرامل.

وعلى الباغي تدور الدوائر:

وجاء الدور على بني إسرائيل فبمجرد قضاء أحمس على الهكسوس جاء الدور على أعوانهم من بني إسرائيل وهذا درس كبير، فبدأ ينتقم منهم انتقامًا شديدًا وهنا بدأت تتغير حياة بني إسرائيل من العز إلى الذل لأنهم كانوا مع الظالمين، إياك أن تركن إلى ظالم انظر ماذا تقول الآية: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (هود: الآية ١١۳) تحذرنا الآية ألا نستعين بظالم أو نستند إليه ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: (إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول: إنك ظالم، فقد تودع منهم) أي لا فائدة منهم، ويقول النبي– صلى الله عليه وسلم- أيضا: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يوقع بكم عذابه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم) لأنهم ظالمون.

ماذا سيحدث لبني إسرائيل؟

سيحدث لهم أشياء شديدة فقد سكتوا عن الظلم، وغيروا عدل يوسف، وشوهدوا في الصورة مع الظالمين فماذا سيحدث لهم؟ حدث لبني إسرائيل ستة أشياء غيرت خارطة مصر؛ فقد قلنا أن الظلم يجلب الظلم والظلم أيضا يجلب الانتقام كما أنه يجلب الذل وطالما أنك لست ظالما حتى ولو كنت مظلوما فإنك بأمان كبير من غضب الله عز وجل، يجب أن تراجعوا حساباتكم لو أنكم أزواج أو زوجات أو آباء أو لديكم موظفون، فراجعوا أنفسكم حتى يبارك الله لكم في رمضان.

بعد أن انتصر المصريون وطردوا الهكسوس التفتوا إلى بني إسرائيل الذين كانوا أعوانا للهكسوس فغيروا ما بدأه يوسف عليه السلام، فتغيرت المعادلة تغيرًا كبيرًا من يوسف الداعي للعدل والرحمة وعدم الظلم إلى منتهى الذل لبني إسرائيل. إياكم والظلم أرأيتم ما حدث للهكسوس؟ وما حدث لبني إسرائيل، إن أحمس ومن جاء بعده من الفراعنة أيضا ظلَموا ظلما شديدا، أحيانا تكون مظلوما فتحاول أخذ حقك فتظلم غيرك فتتسع دائرة أخذ الحق فتتحول إلى ظالم فيرسل الله من يظلمك وهذا ما سيحدث لفرعون في النهاية.

حدث لبني إسرائيل على يد الفراعنة ستة أشياء:

أولاً: حولوهم كلهم من أحرار إلى عبيد، ولهذا قال فرعون في قصة سيدنا موسى كما جاء في الآية الكريمة: {... وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} (المؤمنون: الآية ٤٧) أي أنهم عبيد لدينا فقد تحول بنو إسرائيل بقرارٍ من أحرار إلى عبيد.

ثانيا: طردوا من أرض جاسان التي سكنوا بها عندما دخلوا مصر وصودرت ممتلكاتهم وتحولوا من أغنياء إلى فقراء لا يملكون شيئا.

ثالثا: طردوا من أحيائهم وبنيت لهم بيوت طينية وأكواخ ضعيفة على النيل وتحولوا إلى أحياء فقيرة جدا بعدما كانوا يسكنون إلى جانب ملوك الهكسوس.

رابعا: فرقوهم فلم يعودوا يسكنون إلى جانب بعضهم البعض فأصبح بعضهم في حي شمال النيل والبعض الآخر جنوب النيل حتى لا يصبحون معا قوة أو وحدة.

خامسا: حرموهم من التعليم لكي يظلوا على جهلهم.

سادسا: أجبروهم على العمل الشاق ليل نهار بلا أجر، بالمناسبة أيهما أسوأ البطالة أم العمل بلا أجر؟ أتعرفون أن العمل بلا أجر أفضل من البطالة؟ على الأقل فإنك استمتعت بإنتاج منتج معين، أما البطالة فلا أنت عملت ولا أنت أخذت أي أجر، إن كثيرا من الشباب في بلادنا مظلوم بسبب موضوع البطالة.

وصف للمدينة التي عاش بها بنو إسرائيل ومن بعدهم موسى:

تخيلوا معي المدينة التي عاش فيها بنو إسرائيل في وقت فرعون قبل أن يأتي سيدنا موسى، وتخيلوا كيف تفرقوا؟ وكيف سكنوا العاصمة التي كانت تسمى: برعمسيس والتي ستجري بها أحداث قصة سيدنا موسى، وتقع برعمسيس حاليا في الشرقية ناحية بلبيس، ومعنى اسم المدينة برعمسيس كلمة بر رع تعني بيت الإله رع والمتمثل في رمسيس، وعلى خريطة مصر نجد فرعي النيل وقد كان هناك العديد من فروع النيل ومنها ما يصل لهذه المدينة قبل أن تنطمس هذه الفروع، نجد في الأعلى مساكن بني إسرائيل في الشمال، أما بالأسفل فيوجد أرض جاسان التي سكنوا بها ثم طردوا منها في النهاية، وبجانبها بيوت بني إسرائيل الأخرى، إذن يوجد حي في الشمال لبني إسرائيل وحي آخر في الجنوب لبني إسرائيل ويمر الاثنان على النيل، انتبهوا جيدا لهذه الخريطة فأم موسى حين ستلقيه في النيل سيمر على هذه الخريطة، أما قصر فرعون وهو القصر الملكي فموجود في منتصف الخريطة، إذن فبيوت بني إسرائيل في الأعلى وأيضا بيوت بني إسرائيل بالأسفل ويوجد القصر الملكي بالمنتصف، وحينما ألقت أم موسى "موسى" في النيل كانت تسكن الحي الجنوبي فجرفه التيار بالنيل حتى وصل إلى القصر الملكي وهو قصر فرعون، أما شمال قصر فرعون تجد معبد رع وبجانبه معبد آمون، هذه هي المدينة التي سيكبر بها سيدنا موسى وأيضا هي نفسها المدينة التي عاش بها بنو إسرائيل، أرأيتم هذه الصورة؟ ربما هي المرة الأولى التي تتخيلون فيها هذا المنظر.

إياك والظلم لقد وصل الظلم ببني إسرائيل إلى شيء أسوأ فقد أصبحوا في ذل شديد فتعودوا أن يظلموا فيسكتوا فأصبحوا ظالمين لأنفسهم، أيضا عندما قبلوا وسكتوا واعتادوا على الظلم، فوصل بهم الذل أن يذبح أولادهم أمام أعينهم دون أن يستطيعوا التحرك. وصل الأمر أنه إذا ذكر فرعون ارتجف بنو إسرائيل خوفا حيث تقول الآية الكريمة {... يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ...} (الأعراف: الآية١٤١).

لما كان فرعون يقتل الذكور ويترك الإناث؟

لقد كان ذلك لسبب خبيث فقد أراد فرعون أن يصنع خللاً في نسبة الإناث إلى الذكور، فيزيد عدد الإناث على الذكور فيصبح هناك عدد كبير من الفتيات التي لا تجد رجالاً ليتزوجوهن ويحموهن، فيكون هذا أيسر في انحرافهن إلى الرذيلة. هل كانت هذه هي خطة فرعون؟ يالها من خطة خبيثة بالفعل! وهل قبل بنو إسرائيل هذا الذل؟ نعم قبلوه. إياك أن تظلم نفسك بأن تعتاد على الإهانات وتسكت، إياكم أيها الآباء من ضرب أولادكم وخاصة أمام أصدقائهم أو حتى أمام أخوتهم، إذا أردت عقاب أحد الأبناء فخذه إلى غرفة وحدكما. إياك أن تذل نفسك بمعصية أو أن تجري وراء معصية حتى تذلك.

لقد وصل بنو إسرائيل لقمة الحضيض في الذل فكانوا يرون أبناءهم يذبحون فيسكتون ويخافون، كانت بناتهم تستحيا أمامهم لتتجه إلى الرذيلة ولا يستطيعون أن يتكلموا أو يعترضوا. يا جماعة، إن الذل يشوه النفس أشد من التشوهات التي تحدث لو أن ماء النار ألقي على الوجه، لهذا كانت رسالة سيدنا موسى في منتهى الصعوبة، ستبدأ بلا إله إلا الله لأن هذه العبارة معناها أنه لا ذل ولا خضوع إلا لله.

أرأيتم كيف أن موضوع الظلم كبير، لهذا تكررت قصة سيدنا موسى في القرآن مرات عديدة فعدد سور القرآن (١١٤) سورة؛ خمسون سورة منها ذكرت قصة سيدنا موسى، لأن أكبر مشكلة في تاريخ البشرية هي الظلم والذل.

بماذا نستفيد من هذا في النهاية؟ نستفيد بأن الحياة مليئة بالكثير من المظلومين والظالمين، أريد أن أختم بكلام لكلا الطرفين: بالله عليك - سواء كنت ظالمًا أو مظلومًا- راجع نفسك، أيها المظلوم لو اشتد الظلم عليك ولا تدري ماذا تفعل؟ ارفع يديك وادعو الله والجأ لأكبر قوة في الدنيا. أيها الظالم إذا وجدت المظلوم ضعيفا أمامك فانتبه بأن وراءه قوة عظمى هي قوة الله تعالى فلا تستهن بضعفه. أيها المظلوم أريد أن أبلغك رسالة أخرى إن من أسخف الأشياء في الدنيا أن تكون مظلوما وليس بيدك حيلة ولا ترفع يديك لتدعو الله.

يا جماعة، أتدرون أن أول خطوة لخروج بني إسرائيل مما كانوا فيه هو دعوة مظلوم كدعوة الأمهات التي ذبح أبناؤهن، دعوة المظلوم هي ما غيرت الدنيا، اتقوا دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب يرفعها الله فوق الغمام يقول له وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين، أيها المظلوم ارفع يديك وقل: يا رب. أيها الظالم أحيانا تظلم شخصا ضعيفا ومن شدة خوفه منك لا ينبس ببنت شفة ولكن قد يقول قلبه: يا رب، فيقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ليس بينها وبين الله حجاب. أيها المظلوم، لو اشتد الظلم بك فتحمل واصبر كما تقول الآية: {... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: الآية١۰)، فتأتي يوم القيامة لتقف للحساب أنت وباقي الناس، فيقول الله لك لقد ظلمت وصبرت فإلى الجنة بغير حساب. أيها الظالم احذر عقوبة الله في الدنيا قبل الآخرة.

يحدثني الأستاذ راتب النابلسي وهو من علماء سوريا العظام ويحكي القصة ويقسم عليها ولقد كتبها في كتابه حيث يقول إن شابا مستهترا ظالما كان يسرع بسيارته ليري أصدقاءه الذين معه بالسيارة كم هو ماهر بالقيادة! كان هذا بفصل الشتاء وعلى الطريق الصحراوي، فوجد كلبا من شدة البرودة قد مد رجليه على الأسفلت بدلا من الرمل لأنه أدفأ، فقال الشاب لأصدقائه بأنه سيثبت لهم مهارته بالقيادة حيث سيمر على أرجل الكلب دون أن يقتله، فداس الشاب على أرجل الكلب فصرخ الكلب، ولكن الله لا يقبل الظلم يقسم الأستاذ راتب النابلسي أنه بالأسبوع الذي يليه وبينما الشاب نفسه يقود سيارته وجد أن أحد عجلات سيارته قد أفرغت الهواء، فنزل الشاب من سيارته ليصلح العجلة ونزل على ركبته بينما سيقانه للخلف فأتت سيارة مسرعة ومرت على ساقيه ففقد ساقيه كما هو حال الكلب المسكين! أيها الظالم، احذر عقوبة الله. أيها المظلوم، ارفع يديك وقل يا الله ليهتز لدعوتك عرش الرحمن وعزتي وجلالي لأنصرنك. إياكم والظلم، يا جماعة، التزموا بالعدل. وقصة اليوم لقد ظلَم بنو إسرائيل فظُلِموا، وظلَم الهكسوس فظُلِموا، وظلَم الفراعنة فسيحدث لهم الشيء نفسه فيُظلَموا وربك المنتقم. اعمل ما شئت فكما تدين تدان.

ما هي الأشياء المطلوبة منكم لهذا اليوم، تذكر من الذين ظلمتهم؟ وراجع الظلم. الشيء الأخير لقد اتفقنا أننا سنعلق الملصق لأننا نريد عشرة ملايين ختمة للقرآن هذا العام، نريد أن نلصقه في كل مكان وهو موجود على www.amrkhaled.net ونريد كل الدنيا أن تشاهد هذا الملصق حتى تشارك معنا في ختمات للقرآن.



شاهد الصور الفوتغرافية للحلقة الثانية .. والتي تم التقاطها للاستاذ عمرو وفريق التصوير من داخل الاستديو بلبنان




رابط تحميل الحلقة:

http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1296.html

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 26, 2009 6:04 pm

الحلقة الثالثة - قيمة الاخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تذكرة:
قبل أن نبدأ يجب أن نراجع بعض المعاني الأساسية التي يجب أن نحافظ عليها طوال رمضان، أولًا: النية، هناك كلمة جميلة تقول: "أحيانًا عمل صغير تكبره النية، وأحيانًا عمل كبير تصغره النية، من الممكن أن يأتي رمضان ونيتك صغيرة، أو تقوم بعمل صغير ولكن نيتك مع الله كبيرة فيبارك الله في هذا العمل، ويصبح مصدرًا لعزتك ورفعتك ورضى الله عليك في الدنيا والآخرة. فما هي نيتكم في رمضان؟ "ما خطا عمر بن عبد العزيز خطوة إلا وله فيها نية"، لا يكفي أن تقول أنا صائم! ولكن ضع نية كبيرة، نية توبة إلى الله، أو إيقاف سلوك سيء في حياتك، أو الانتقال من الفشل إلى النجاح بسبب رمضان وطاقته هذا العام، أو بنية سأعبد الله كما لم أعبده من قبل، سأعيش لله، سأعيش للإسلام، سأقدم شيئًا كبيرًا للإسلام، سأنصر المسلمين من مجالي...إلخ. فرمضان فرصة وطاقة تمدك للعام القادم.
ثانيًا: القرآن، شعارنا هذا العام "سنحيا بالقرآن"؛ القرآن الذي سماه الله تبارك وتعالى نورًا وهداية ورحمة وشفاء وروحًا. أتمنى أن نعيش بالقرآن هذا العام فنكون مثل الصحابة، ما رأيك أن نقلد الصحابة لمدة شهر واحد في العام ونعيش مع القرآن؟، نكون مثلًا مثل سيدنا عبد الله بن عباس، يقول: (كنا إذا سمعنا {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..} انتفضنا وقمنا قائلين "نعم يا رب" لأن الله يحدثنا)، أو نكون مثل الأحنف بن قيس الصحابي الجليل الذي قال كلمة جميلة: (كنت أقرأ القرآن وأسمع الآية {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ...} (الأنبياء:10) فكنت أقرأ القرآن كل يوم وأرى كيف يذكرني الله اليوم، فيفتح القرآن ويقرأ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...} (الأنفال:2) فيقول: "لست من هؤلاء" ثم يفتح اليوم الذي يليه فيقرأ {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ...} (التوبة:67) فيقول: "لست من هؤلاء"، ثم يفتح اليوم الذي يليه فيقرأ {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التوبة:102) فيقول: "أنا من هؤلاء") "ذكركم" أي شرفكم وأخباركم وكيف يجب أن تعيشوا وكيف تأخذون قراراتكم في حياتكم، أترى كيف كان يشعر بالقرآن؟ هيا نعيش مع القرآن ثلاثين يومًا، وقصة سيدنا موسى ذكرت في خمسين سورة، أي ربع القرآن، ستفهم خمسين سورة في القرآن، فهذه فرصة لتفهم وتحب وتشعر وتتذوق حلاوة القرآن.
حملة "سنحيا بالقرآن":
مقدمة
نحن نتحدث كل يوم عن قصة متسلسلة من قصة سيدنا موسى، ونتحدث عن قيمة من قيم القصة، لأن قصة سيدنا موسى متداخلة مع القيم والأخلاق تداخلًا عميقًا، لأن هدفي ليس هو حكاية القصة فقط بل ترسيخ القيم، فرصيد القيم أهم من رصيد البنوك، رصيد البنك ينفد ولكن رصيد القيم يبني أممًا، انتبه من أن تهتم برصيد البنك أكثر من رصيد القيم والأخلاق، لا تقل لابنك: لقد تركت لك رصيدًا بنكيًا بكذا ولكن قل له: لقد تركت لك رصيدًا من القيم.
الحلقة الأولى كانت المشهد الوحشي لذبح الأطفال وإلقائهم في النيل أمام أمهاتهم، الحلقة الثانية كانت تحكي كيف قام بنو إسرائيل بالوصول إلى مصر ودخولها أيام سيدنا يوسف، والقيمة الأساسية كانت إياك والظلم، وبعد الحلقة وجدت شابًا يقول لي: لقد أصابني بعض الضيق بعد الحلقة، لأني شعرت أنني متعاطف مع بني إسرائيل لأنهم ظُلموا كل هذا الظلم وأنا لدي موقف معين من بني إسرائيل، فشعرت أنه يجب أن أقول معنى هامًا جدًا، فقيمة أمس كانت إياك والظلم، فردي على الشاب هو أن الإسلام علمنا أن يكون لدينا موقف ثابت وقيمة كبيرة، لا للظلم، فرعون ظلم بني إسرائيل، ومن ظُلم بالأمس هو من يظلم اليوم إخواننا في فلسطين، أنت لديك ثبات في القيم والأخلاق فترفض الظلم وهذا من حلاوة الإسلام، أنك تتعاطف مع المظلوم حتى لو كان الظالم مصريًا وأنا مصري. لذلك لنفس هذا السبب أنا أرفض أن يُظلم إخواني اليوم، لا للظلم في كل زمان وكل مكان.
سنتحدث اليوم عن مصر وعن الشخصيات الرئيسية أمام سيدنا موسى، ونبدأ نرسم صورة لمهمة سيدنا موسى، لأننا سنتحدث في المرة القادمة عن مولد سيدنا موسى، فاليوم هو آخر حلقة في المقدمة لتتعرف على الظروف والأحوال.
سيدنا موسى
نبدأ ببطل القصة وحبيبنا سيدنا موسى القائد العظيم، يجب أن تحب سيدنا موسى، والنبي يحبه حبًا شديدًا والله كذلك. انظر إلى كم الآيات التي يثني الله فيها على سيدنا موسى في القرآن! ربع القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم يتأسى بسيدنا موسى، يقول الله تعالى لسيدنا موسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (طه:41) اختصه الله من بين البشر ليكون كليم الله، ولم يرق لهذه المنزلة بشر إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في المعراج.
إذا أردت أن تعرف إنجاز أي شخص أو قائد انظر إلى الظروف التي نشأ فيها، فكلما كانت الظروف صعبة كلما كان هذا القائد عظيمًا. يُقال أن العظماء مائة وأعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه أتى في ظرف كان فيه العالم في وضع سيء للغاية ولكنه صلى الله عليه وسلم غير العالم في ثلاثة وعشرين عامًا، ومازال أثر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم موجودًا إلى اليوم، فلكي تعرف إنجاز سيدنا موسى يجب أن تعلم ظروف مصر في هذا الوقت، فسيدنا موسى حمل أضخم تكليف بشري في تاريخ الكون بعد سيدنا محمد صلى الله عيه وسلم، أكبر قصة لمواجهة الظلم في تاريخ البشرية، سيقف أمام فرعون وحده، فرعون هو أعتى جبابرة الأرض، لا تقل هتلر، بل مليون ضعف! من قتل آلاف الأطفال وذبحهم؛ قتل عشرة آلاف مصريًا في الصحراء في يوم واحد، وسيواجهه سيدنا موسى في وسط كل هذا، وسيدعوه هو والمصريين إلى لا إله إلا الله، وأراد أن يحرر بني إسرائيل من الذل إلى الحرية والعز، وأراد أن يخرج بني إسرائيل من مصر {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الشعراء:17) ليبني بهم أمة جديدة.
الإخلاص:
إن أعظم مؤهل من مؤهلات سيدنا موسى والقيمة التي ساعدته على مواجهة كل ذلك هي الإخلاص، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا...} (مريم:51) فأول صفة هي أنه كان مخلصًا لله، وهذه هي قيمة اليوم. ففي وسط كل هذه الظروف والظلم كان يواجه فرعون لأنه كان مخلصًا لله، فإذا نشأ جيل مخلص يحب بلده ودينه يتغير وجه المسلمين وتتغير الأرض.
فالإخلاص هو أن لا تبتغي بعملك أي شيء إلا الله، أن لا ترى إلا الله، أن لا تطلب شاهدًا على عملك إلا الله، أن لا تريد من الدنيا والناس شيئًا ولا أموالًا ولا ثناءً ولا شكرًا، ولكن رضى الله هو الهدف، وأصبح كليم الله لأنه من أعظم المخلصين في تاريخ البشرية، سيدنا موسى لم يأخذ شيئًا، لم يأخذ رئاسة ولا أموالًا ولا أي شيء، عاش مهددًا ومطاردًا من ترحال إلى ترحال مهددًا بالموت من المولد إلى الوفاة.
النبي صلى الله عليه وسلم يحب سيدنا موسى ويقول: ( لا تفضلوني على موسى، فإن الناسَ يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطِشًا بساقِ العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي، أو كان ممن استثنى اللـه؟ ) لا تقولوا أنه نبي بني إسرائيل وليس نبينا، انظر إلى منزلته العالية! سيد ولد آدم يقول هذا على سيدنا موسى! يعلمنا أن نحبه ويقول: (نحن أولى بموسى منهم) لا تقل هو ليس نبينا! ويقول الله تعالى: {...لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ...} (البقرة:285) هذه ثوابت أساسية في كافة الحلقات.
ظروف مصر:
سنتعرف على وضع مصر لنرى إخلاص سيدنا موسى، لنذهب إلى قصور الفراعنة ونرى ونحكي كيف نشأ سيدنا موسى في وقت كان في منتهى الصعوبة ليكون حقًا بهذا الإخلاص.
في الحلقة الأول تساءل الناس كيف ذهبنا لبيوت بني إسرائيل، ولكن هذا لم يكن مكانًا حقيقيًا، هناك أماكن استطعنا أن نذهب إليها، هناك سبع عشرة حلقة مصورة في أماكن الأحداث الحقيقية ولكن بعض الأماكن لم نستطع تصويرها لكم كأنكم ترونها، فاستعنا بصور القصور والمعابد من الخرائط المصرية القديمة، وبنيناها بوسائل تقنية حديثة على الكمبيوتر بواسطة فريق من المهندسين المبدعين المصريين لتتمكن من تخيل القصة والشعور بعظمة سيدنا موسى الذي واجه كل هذه الأحداث.
أول صعوبة في مواجهة سيدنا موسى هي شخص يسمى فرعون، فرعون لقب وليس اسمًا، مثل هرقل ملك الروم، فكل ملك للروم يسمى هرقل، وكل ملك للفرس يسمى كسرى، ففرعون هو لقب الحاكم عند المصريين القدماء. وصف لنا القرآن أكثر وصف دقيق عما يفعله فرعون، بطشه وجبروته وظلمه.. ذكرت هذه الآيات من سورة القصص {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:4) خمسة أشياء، علا في الأرض أي لا سلطة ولا كلمة ولا قرار إلا له، تكبر وجمع كل السلطات في يده فهو الإنسان الوحيد الذي يتحدث، ومزق نسيج المجتمع المتماسك، وقسم الناس طبقات وفئات من باب فرق تسد، وليستطيع أن يسيطر عليهم أكثر، كأن الآية تقول لك إن أول من حقق تمييزًا عنصريًا وتفرقة عنصرية داخل المجتمع هو فرعون. النقطة الثالثة أنه "يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ" ليكونوا عبرة لغيرهم، وهم بنو إسرائيل، فيضربهم ضربًا مبرحًا، " يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ" لم توجد مذبحة في التاريخ لذبح الأطفال إلا لفرعون! ألف طفل! وقتل عشرة آلاف ساحر من المصريين في يوم واحد، القتل عنده شيء هين، ويأخذ قرار القتل بمنتهى البساطة! "..وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ.." يترك النساء ليكون عدد البنات أكثر من عدد الرجال، وتختل التركيبة السكانية فتكون الفتيات بلا زوج وبلا أب فيسهل انزلاقها للرذيلة وللخطأ "إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ" أفسد أخلاقيًا واجتماعيًا وماليًا.
أسباب بطش فرعون:
لماذا يفعل فرعون هذا مع بني إسرائيل ويذلهم كل هذا الذل والظلم؟ يقولون لشيئين، لبشارة ولرؤية، أما البشارة فهي أن بني إسرائيل تناقلوا فيما بينهم أن سيدنا يوسف بُشر قبل أن يموت أن ابنًا من أبناء بني إسرائيل أي من أحفاده سيخرج ليزيل الظلم عن بني إسرائيل، يكسر الظلم ويرفع العدل، وبدأت هذه البشارة تنتقل إلى أن وصلت إلى فرعون.
وأما الرؤية فهي أنه قد رأي نارًا تخرج من بيوت بني إسرائيل متجهة إلى قصوره ومعابده حتى أبادته هو وجنوده، فاستيقظ قلقًا؛ فنادى الكهنة فأولوا هذه الرؤية وفسروها بأن غلامًا رضيعًا سيخرج من بني إسرائيل ويزيل ملكه، فبدأ يذبح الأطفال ويفعل كل هذا بسبب هذه البشارة وهذه الرؤية.
ولكن هناك أسبابًا أخرى، فإذا كانت هذه هي فقط الأسباب فمهمة سيدنا موسى صعبة ولكن ليست مستحيلة، ولكن الأسباب الأخرى والأشد هي أن بني إسرائيل دخلوا مصر ستين فردًا وسيخرجون ستمائة ألف، أعلى معدل تزايد سكاني في التاريخ، فخاف منهم فرعون خوفًا شديدًا، لأنهم كانوا مع الهكسوس بمعنى أن بني إسرائيل من الممكن أن يكونوا قوة مع الأعداء ضد مصر، فبدأ يذبح فيهم، قد تقول أنه كان على حق لأنهم سيحدثون خللًا في المجتمع، ولكن لا يمكن أن يكون هذا مبررًا يؤدي إلى مجازر وحشية، الظلم الشديد غير مبرر! فكانت النتيجة أن فرعون بدأ يقتل ويذبح من بني إسرائيل، وكل هذا يصعب من مهمة سيدنا موسى أكثر.
من هو فرعون؟
شيء آخر أود قوله، من هو فرعون؟ هذا الأمر فيه خلاف كبير، ولكن يجب في النهاية أن نختار ونرجح، وقد اخترنا بناءً على عدة أشياء، فمصر كانت عبارة عن أُسر، مصر كانت تُحكم في شكل أسر، الأسر القديمة ثلاثون أسرة، من أول أسرة مينا موحد القطرين حتى جاء الغزو الفارسي والإسكندر الأكبر وانتهت مصر القديمة وحضارة الفراعنة، خوفو وخفرع ومنقرع الذين بنوا الأهرامات كانوا من الأسرة الرابعة، الهكسوس كانوا في الأسرة الرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة، هذا هو الوقت الذي دخل فيه سيدنا يوسف مصر، فكل الأسر التي كانت قبل ذلك ليس منها فرعون موسى، الوقت بين سيدنا يوسف وسيدنا موسى أربعمائة سنة، لذلك أتى سيدنا موسى في الأسرة التاسعة عشرة، ففرعون من حكام الأسرة التاسعة عشرة. حكام الأسرة التاسعة عشرة هم رمسيس الأول الذي حكم لمدة سنتين، ثم سيتي الأول الذي حكم لمدة عشرسنوات، ولكن قصة سيدنا موسى خمسة وخمسون سنة، الفرعون الوحيد الذي حكم لمدة سبع وستين سنة كاملة هو رمسيس الثاني، وهذا الرأي هو الغالب، وهو الوحيد الذي ادعى الألوهية بشكل واضح {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (النازعات:24) وادعى أن الإله رع تمثل في أبيه وأصبح هو الإله رع وكتب هذا على المعابد.
ولقد بدأ رمسيس الثاني حكمه بشكل جيد، وقام بمعركة قادش التي انتصر فيها، ووسع مملكة مصر بقوة شديدة، لكنه تغير بعد ذلك وظلم وجحد وقتل وسجن بني إسرائيل في سجن كبير، فسيدنا إبراهيم ويعقوب ويوسف كان لهم حرية التحرك والتنقل، ولكن جاء فرعون بظلمه وقال لهم: ممنوع الخروج من مصر، لذلك قال سيدنا موسى؟ {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الشعراء:17) لماذا تسجنهم في هذا السجن الكبير؟ أليسوا ضيوفًا على مصر! اتركهم يخرجون من مصر.
ولكن فرعون ليس وحده، معه الكهنة كمؤسسة دينية، ومعه السحرة كمؤسسة إعلامية، ومعه هامان الذي يمثل القوة التنفيذية، ومعه القوة العسكرية المتمثلة في جنوده، وسيدنا موسى سيواجه كل ذلك. لذلك عندما وقف أمام فرعون للمرة الأولى وواجهه وقال له: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} وليبلغه أن لا إله إلا الله، قال له فرعون: "أمعك جيش؟" قال: "لا" قال: "أمعك قوة؟" قال: "لا" فقال فرعون وهو يبتسم بسخرية: "أجئت وحدك؟" قال: "نعم" فضحك فرعون وخاف، ضحك لأن سيدنا موسى وحده، وخاف من قوة سيدنا موسى. تخيل سيدنا موسى يواجه فرعون وحده بلا حرس وفرعون بهذه القوة! ولكن سيدنا موسى معه الحق.
سيطرة وتعدد آلهة:
تخيل قوة فرعون الذي استطاع أن يسيطر على مساحة شاسعة من الأراضي، لقد اتسعت حدود مصر وصار لها أكبر مساحة من الأراضي في عهد الفراعنة؛ بسبب قوة رمسيس الثاني غير العادية، وسيقف سيدنا موسى وحده أمام من يملك ويسيطر على كل هذا المُلك! أي إخلاص هذا؟ وما هذه القوة الإيمانية؟!
كذلك تعددت أشكال الآلهة التي كان يعبدها المصريون في هذا الوقت، فمصر من جنوبها إلى شمالها كانت مليئة بكم كبير من الآلهة، ورغم كل ذلك ووسط كل هذه الأجواء سيدعو سيدنا موسى الناس لقول لا إله إلا الله! وكان من بين هذه الآلهة المقدسة عند المصريين الحيات والثعابين، لذلك عصا سيدنا موسى كانت تقلب إلى حية! كأن الرسالة تقول أن الإله الذي تعبده سيلتهمك! الحية التي هي رمز القوة عندكم ستلتهمك!
منزلة سيدنا موسى عند الله:
منزلة سيدنا موسى عالية عند الله، انظر إلى الآيات لكي تحبه، لأن من أهداف برنامجنا هو أن تحب سيدنا موسى، يقول الله تعالى {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (طه:41) خلقتك وهديتك وجعلتك تنجو من القتل على يد فرعون وعلمتك لتكون خالصًا لي، تخيل إلى من يقول الله تعالى هذه الجملة؟ يقول له الله تعالى {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ..} (طه:13) أي تكريم هذا؟ وقال له هذا وهو في الأربعين من عمره، كأن الله يقول له بعد أن اختبرت صدقك وإخلاصك وشهامتك ومروءتك ونصرتك للضعيف وحبك لله وعملك للإيمان وتجردك وإخلاصك {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ..} تخيل وهو يسمع اسمه من الله! فهو كليم الله، تقول الآية: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى...} (الشعراء:10) أي شرف وتكريم هذا؟ سيدنا موسى شخص من ضمن بلايين البشر على كوكب من وسط ملايين الكواكب على مجرة من وسط ملايين المجرات، واختاره الله من وسط كل هذا الكون الهائل.
من محبته أيضًا أن يقول له الله: {...وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طه:39) هل يمكن أن تصف لي إنسانًا قال له الله هذا؟ كيف يمكن أن يكون هذا الرجل؟ كم أتشوق لرؤية سيدنا موسى، كيف تكون شخصيته وابتسامته وقوته وإيمانه وثقته بالله؟
تخيل أننا نظل ندعو أن ينظر إلينا الله لحظة بعين الرضا في رمضان، فتخيل أن حياة سيدنا موسى بأكملها صنعت على عين الله! يقول الله تعالى { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} (طه:36) كل دعواتك مستجابة بلا تأخر للإجابة، لا ترد لك دعوة، فيدعو سيدنا موسى كثيرًا {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي } (طه:25-28) ويرد الله على كل هذا ويقول له {... قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ...} كأنه سؤال واحد.
منزلة سيدنا موسى عند النبي صلى الله عليه وسلم:
أتعلم كيف يحبه النبي صلى الله عليه وسلم؟ كان النبي دائمًا عندما يؤذيه أحد يقول: (رحم الله أخي موسى لقد ابتلي بأكثر من ذلك فصبر) كأن النبي يقول إن الذي يصبرني عليكم هو ما حدث لسيدنا موسى.
في مرة كان أحد الصحابة جالسًا مع أحد اليهود في المدينة يتحدثون، فأقسم اليهودي وقال: "لا والذي اصطفى موسى على العالمين"، فغضب الصحابي، وقال: "أتقول ذلك ورسول الله بيننا؟" ولطم اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما حدث، فاحمر وجه النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: ( لا تفضلوني على موسى، فإن الناسَ يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطِشًا بساقِ العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي، أو كان ممن استثنى اللـه؟ ).
أمر النبي الصحابة أن يصوموا يوم عاشوراء وجعلها سُنَة من حبه لسيدنا موسى، عندما ذهب إلى المدينة سأل عن سبب صيام اليهود في هذا اليوم، فقالوا له أن هذا اليوم هو اليوم الذي نجى الله فيه سيدنا موسى من البحر، فقال: (نحن أحق بموسى منهم) فصاموا يوم عاشوراء حتى جاء صيام رمضان فجعله النبي سُنَة.
منزلة سيدنا موسى عند الصحابة:
لقد تربى الصحابة على قصة سيدنا موسى في القرآن، نزل القرآن في مدة ثلاث وعشرين سنة، فعندما يُتهم النبي أنه ساحر وكاذب تنزل سورة الشعراء تصبر النبي بأن سيدنا موسى قيل عليه كذلك. عندما تم إيذاء الصحابة وقتل منهم السيدة سمية، تنزل سورة طه أن سحرة فرعون حدث لهم كذا وكذا وصبر سيدنا موسى. عندما انتقل الصحابة إلى المدينة وبدأ تكوين أمة جديدة فتنزل سورة البقرة تذكر الأخطاء التي فعلها بنو إسرائيل، وكيف صبر سيدنا موسى عليهم وتعب معهم، فقصص سيدنا موسى كانت تثبت الصحابة.
فالله والنبي والصحابة يحبون سيدنا موسى، وسيدنا موسى يحب المسلمين والمؤمنين، فعندما أمر الله تعالى سيدنا محمد في رحلة المعراج بالصلاة خمسين صلاة نزل سيدنا محمد ولكن قال له سيدنا موسى: "ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق هذا" ويقولها له أربع مرات لأنه يحبنا ويحب هذه الأمة.
رابط تحميل الحلقة:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 26, 2009 6:10 pm

الحلقة 4 - المولد - التوكل


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ نستكمل قصة سيدنا موسى، فاليوم مولد بطل قصتنا الذي سنعيش معه طوال رمضان، مولد النبي الذي اختاره الله من أولي العزم الخمسة من الرسل: إبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح، ومحمد عليهم السلام، مولد من وجده النبي عليه الصلاة والسلام في السماء السادسة عندما صعد إلى المعراج ولا يوجد فوقه في السماء السابعة سوى سيدنا إبراهيم عليه السلام، مولد من اختصه الله تعالى وقال له:[... إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي] {الأعراف:144} فهو كليم الله.

إن أحد أهدافنا قصتنا أن تحب سيدنا موسى، والنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول: (لا تفضلوني على موسى) ثم يجعلنا نصوم يوم عاشوراء، ويقول: (نحن أولى بموسى منهم) فيجعل صيامه سنّة حتى نتذكر دائمًا أن نجاة موسى هي ذكرى لكل المؤمنين في الأرض وفي هذا رد على من يقول أن موسى ليس نبينًا .



التوكل على الله

القيمة التي سنتحدث عنها هي التوكل على الله، فلكل شيءٍ في هذا الكون معادلة يسير بها، ومعادلة اليوم سارت بها أم موسى، فما هي هذه المعادلة؟ أن تؤدي كل ما عليك + تَوَكَّل على الله = نصر، وعِزَّة، ورحمة، ورعاية، ويُريك عجائب قدرته في أن يُنَجِّيك من حيث لا تدري ولا تتخيل، ويُسَخِّر الكون كله معك كي تنجو. فهل تعرف كيف تطبق معادلة اليوم؟ فهذه الدنيا صعبة ويُظلَمُ فيها الكثيرون، وفرق القوة بينك وبين من يظلمك 1:1000 وهو فرق كبير بكل المعادلات المادية، لذا يجب أن تتحلى بالذكاء بأن تُدخِل الوكيل سبحانه وتعالى في المعادلة وتتغير المعادلة فينصرك ويُعزّك، وقد توكلت أم موسى على الله بعد أن طبقت المعادلة والتي هي شرط أساسي فلا يجب أن تقول يا رب انصرني أو توكلت على الله وأنت لم تؤدي ما هو مطلوب منك بل يجب عليك أن تطبق المعادلة بكل شروطها حتى تتحقق المعادلة.





خطة فرعون:

يقول الله تعالى في سورة القصص: [طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ المُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ (4)]. (القصص: 1-4). فماذا فعل فرعون؟ لقد رأى رؤيا بأن هناك ولد من بني إسرائيل سيزيل مُلكه، فبدأ بذبح كل طفل يُولَد ويقوم الجنود بفصل الرأس عن الجسد بالسكين، وقد تم ذبح 1000 طفل فكيف ستنجين يا أم موسى؟ فقد وضع فرعون شعارًا لنفسه أن لن ينجو مني أحد؛ لأنه إن نجا أي طفل من الموت فسيكون هو المقصود بالرؤيا، فوضع خطة محكمة كالآتي:

· أولًا:أن تمشي بعض السيدات المصريات وسط بيوت بني إسرائيل لتكشف إن كان هناك سيدات حبليات أم لا؟

· ثانيًا: أي سيدة تظهر عليها أعراض الحمل يتم وضع علامة سرية على بيتها لا يعرفها إلا الجنود.

· ثالثًا: عمل زيارات مفاجئة لبيوت بني إسرائيل للكشف عن أي سيدة حبلى اختبأت.

· رابعًا: زرع جواسيس في بني إسرائيل يكشفون أمر السيدات الحبليات، ومن هؤلاء الجواسيس شاب طموح يريد أن يصل لمكانة عالية حتى وإن كانت على حساب أهله وبيته، فهو على أتم الاستعداد للتجسس على أهله وإخوته كي يرضي فرعون وهذا الشاب يُدعى قارون وسوف يظهر لدينا في القصة فيما بعد.



خطة أم موسى لمواجهة خطة فرعون:

فبهذه الطرق الأربع تم كشف 1000 سيدة، فبعد وضع العلامة على البيت تُفاجأ السيدة وقت الولادة بالجنود يدخلون فيأخذون منها الولد حين ولادته، ويذبحونه ويُزيلون رأسه ويرمونه، لذا فقد حقّ على من فعل هذا أن يموت غريقًا؛ فقد أغرق ألف طفل في النيل والجزاء لا بد وأن يكون من جنس العمل، فأين تذهبين يا أم موسى من هذه الخطة؟ لقد قررت أم موسى تطبيق المعادلة، فقامت بوضع خطة ثم توكلت على الله، وبمقتضى الخطة اتفقت مع مريم (أخت موسى) وإحدى الجارات من بني إسرائيل في نفس عمر أم موسى ولكنها ليست حاملًا، بأن تخرج مريم لتراقب، فكلما جاءت الزيارات المفاجئة خرجت أم موسى من بيتها لتختفي على ضفاف النيل بين الأعشاب وتأتي جارتها مكانها فإذا كشفوا عليها وجدوها امرأة غير حامل فيتركوها، وهذه عملية غاية في المشقة نظرًا لحدوثها بشكل مفاجئ، ولكنهم واظبوا على المراقبة لمدة 24 ساعة طوال التسعة أشهر وبذلك يكونوا قد أتموا الشق الأول من المعادلة وكان الشق الثاني بالتوكل على الله طوال التسعة أشهر.



مولد موسى:

ويأتي اليوم، يوم مولد موسى عليه السلام ولكم تمنت أمُّه أن يكون بنتًا حتى لا يُذبَح، ولكن لديها نبوءة سيدنا يوسف أنه سيولد ولد من رجل من بني إسرائيل يهزم الظلم ويظهر العدل ولكم تمنت أن يكون ابنها، وتمت الولادة وجاء ولد ذكر أسمر جميل أعطاه الله خاصية عجيبة فإن رأيته أحببته، يقول تعالى: [... وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي] {طه:39}، فمثلما يُلقي أحدهم عباءته على أحد آخر ألقى الله على سيدنا موسى محبة من عنده، ألهذه الدرجة يحبه الله؟ إنه نبي غالٍ يجب أن نحبه.

فيا ترى ماذا فعلت أم موسى وهي تلد؟ قامت بكتم صوتها والولادة في السر حتى لا يسمعها أو يشعر بها أحد، وربما قامت بكتم صوت ولدها حتى لا يسمعه أحد، ووُلدَ موسى وكانت المفاجأة، ماذا ستفعل به؟ فقد يراه أحد، يقول تعالى: [وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ] {القصص:7}.



أم موسى وما بعد الولادة:

وأوحي إلى أم موسى وهي ليست نبية وإنما امرأة بسيطة مؤمنة متوكلة على الله فصفة التوكل هي من أجمل وأقوى الصفات التي تتحلى بها، فكيف أوحي إليها؟ هل جاءها جبريل؟ بالطبع لا، فهي ليست من الأنبياء، فالوحي ثلاثة أنواع: وحي يأتي إلى الملائكة [إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ] {الأنفال:12}، ووحي يأتي إلى الأنبياء [إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا] {النساء:163}، ووحي آخر هو عبارة عن إلهام فطري يُقذَف في قلبك يملأ كل كيانك، يُحفَر في قلبك ويسيطر عليك فهو من الله لنجاتك أو لخير لك، وهذا هو النوع الثالث الذي حدث لأم موسى والذي قال عنه سبحانه وتعالى: [وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ] {المائدة:111}، فالحواريون ليسوا أنبياء ولكن الله غرز الوحي في قلوبهم وسيطر عليها بأن يؤمنوا بسيدنا عيسى عليه السلام، ويقول تعالى أيضًا: [وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ] {النحل:68}.

فقد قذف سبحانه وتعالى الوحي بقوة في قلب أم موسى بأن تُرضعه، وألا تخاف أو تحزن فسوف يرجعه إليها وسوف يكون نبيًا. يحضرني الآن موقف لأحد أصدقائي قد مر بأزمة في حياته وقد ظُلِم واُضُّطر أن يترك بلده ويذهب إلى بلد آخر، فاتصل بأحد أصدقائه وسأله: ماذا أفعل؟ فقال له: اخرج فورًا فظلت هذه الكلمة ترن داخل أذنه حتى ذهب إلى منزله ليصلي ركعتي استخارة، فإذا به يجد نفسه يقرأ هذه الآية في إحدى الركعتين: [وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ المَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ] {القصص:20}، فأحس بأنه أصبح يقينًا عليه أن يخرج، فقد قذف الله هذا الإلهام في قلبه بقوة حتى تحول إلى يقين.

لقد ملأ الإلهام الذي أرسله الله إلى أم موسى كيانها، فلماذا أم موسى هي التي أوحى الله إليها على الرغم أنها امرأة مؤمنة عادية؟ لقد أوحى الله إليها لأنها تحركت ونفذت نصف المعادلة وتوكلت على الله، فما الفرق بين أم موسى وآلاف السيدات اللآتي ذُبحَ أولادهن؟ إن هؤلاء السيدات مكثن طوال التسعة أشهر يبكين على ما سيحدث لأولادهن، ويقلن توكلنا على الله ويدعين الله ولكن دون أن يتحركن، لذا فالمعادلة خاطئة فهن لم يتوكلن على الله حق التوكل بينما هي توكلت على الله حق التوكل فألهمها الله.

وإذا رجعنا إلى الآية مرة أخرى سوف نجد أن بها أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين في سطر واحد، ما هذا الإعجاز القرآني في اللغة العربية؟ فالأمرين هما: أرضعيه وارميه، والنهيين هما: لا تخافي ولا تحزني، والخبرين والبشارتين هما: إنا رادوه إليك، وجاعلوه من المرسلين وهي أمنيتك القديمة يا أم موسى أن يكون ابنك مثل يوسف عليه السلام، فهل ستلقيه يا أم موسى؟ وإذا لاحظنا هنا نجد أن هناك شيء غاية في الصعوبة فلم يقل الله إذا خفت فاحضنيه أو ضميه أو اخفيه في الأحراش فالمكان الذي كانوا فيه مليء بالنباتات القصيرة كالأحراش ولكن قال ألقيه في اليم أو النيل، لماذا؟ لأنك مع الوكيل مالك الملك، فتوكلي على الله وارميه، فهل تعتقدون أنها سترميه؟

ونرى قمة التوكل على الله حين تصنع هذه المرأة صندوقًا خشبيًا صغيرًا لتضع فيه ابنها ثم تلقيه في هذا النيل الواسع، فيا آباء ويا أمهات ويا شباب هل ترون التوكل على الله؟ لا أقول لك بأن تقوم برمي أولادك في النيل ولكن أقول لك خذي خطوة للأمام وسيخبرك الله بأن تسلكي في هذا الطريق أم لا، وسيضع في قلبك يقينًا أن هذا هو الطريق، فيا أيها الشباب الذين تشكون من البطالة وتقولون كيف سنعمل؟ وماذا نعمل؟ ولا يوجد عمل ولا نعرف كيف نبني مستقبلنا، ويا سيدات اللآتي تشتكين من عدم معرفة كيفية تربية الأولاد، أين التوكل على الله؟ فالقرآن يعلمك التوكل وسورة القصص بالأخص تعلمك التوكل .

فها هي أم موسى صدقت وعد الله، وأمسكت بابنها وألقته في النيل وهي متأكدة أن الوكيل لن يضيعها، فهل ستفعل ذلك لو كنت مكانها؟ هي تعلم جيدًا أن البديل هو الذبح لأن أمامها ألف قصة أخرى من سيدات لم يتوكلن على الله حدث لهن هذا، فهناك من الناس من يرى الآلاف من القصص عندما يعصون الله ماذا يحدث لهم، ويرون من لا يتوكل على الله ماذا يحدث له، ورغم ذلك يقعون في نفس الحفرة، فهم كمن حُفرت أمام بيته حفرة يقع فيها كل يوم عشر مرات، فلتتعلموا التوكل على الله .

هل ستتوكل على الله؟ هل ستثق في وعد الله ؟ فلتسأل نفسك: هل أقوم بأخذ خطوات في حياتي كي أرضي الله وأصلح في حياتي؟ فلا تخف وتوكل على الله وثق في الله، فقد وقفت هذه السيدة أمام هذا النيل الواسع العظيم الكبير بعدما صنعت صندوقًا من الخوص بسرعة شديدة فليس أمامها الكثير من الوقت وعندما همت بأن ترميه لم تستطع، فالأفكار النظرية غير التطبيقية، فالعديد من الناس يقتنعون بفكرة نظرية ما ولكن عند التطبيق لا يستطيعون ذلك وهم هنا يحتاجون إلى تثبيت من الله .

وقد جاء الوحي لأم موسى مرتين وليس مرة واحدة، مرة ذُكرت في سورة القصص ومرة في سورة طه، الآية الأولى كما ذكرنا من قبل: [وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ] {القصص:7} والثانية بعدما كبر سيدنا موسى يقول له الله كيف نجاه: [إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى(38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي اليَمِّ فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)] {طه 38-39}. وقد ذكرت الآيتان هنا لنرى الفرق بينهما، يقول المستشرقون أن هذا تكرار قد جاءها بالفعل مرتين، فالوحي الأول قد جاءها بهدوء ورويّة (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ ... وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي) ثم يقول فأرضعيه وكلمة أرضعيه بها مزيدًا من الوقت وهي كلمة جميلة لها العديد من المعاني الأخرى فأرضعيه حتى يعرف مذاق لبن أمه فيرفض كل السيدات الأخريات ويعود لها فترضعه ولكي يشمها ويشعر بها، فتخيل إن لم تطع الله في هذا الجزء ولم ترضعه وأعطته لجارتها كي ترضعه وقذفته في النيل ففي هذه الحالة لن يعود لها موسى، وفي كلمة أرضعيه أيضًا حنان من الله ففي ملامسة الرضيع لأمه حنان، فيا أمهات أولادكم يحتاجون إلى الحنان، فالله ينقل مشهد الرضاعة في كتابه الكريم، فالوحي الأول يُلقي الفكرة حتى تستقبلها، وفي الوحي الثاني كان الجنود قد جاءوا بالفعل وبدأوا في قرع الأبواب على البيوت المقابلة وسوف يدخلون البيت ويرون موسى فقال لها اقذفيه في التابوت فليس هناك المزيد من الوقت.

يقول الله تعالى لأم موسى (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ) ، فلم يكتف بأن يقول لها أرضعيه وارميه لأن الأم غالية جدًا عند الله، فكان حقًا عليه أن يطمئنها، والنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول الأم يُغفَر لها عند أول طلقة لها وهي حبلى، ويقول يكتب لها وهي تربي ابنها أجر الصائم القائم، فلو لديك ثلاثة أطفال وقد ربيت كلًا منهم مدة 10 سنين أي أنك تأخذين أجر الصائم القائم على مدار 30 عامًا، إنه ثواب وأجر عظيم.



أم موسى ترمي ابنها في النيل:

أين سترمي أم موسى ابنها؟ في نهر النيل، ولكن لماذا نهر النيل؟ لأن جنود فرعون يرمون الأطفال في النيل، فإن كان هناك جندي يراقبها فسوف يتركها لأنها رمت في النيل، وسوف يكتب في دفتره تم الرمي ولن يؤذيها لأن المصري طيب بطبعه ولا يحب الإيذاء، ولكن هناك معنى آخر وراء الرمي في النيل، فإن رمته في هذا النيل الواسع العريض أين سيذهب؟ هناك أكثر من احتمال فإما يأخذه النيل إلى أي مكان بعيد وهنا بالتأكيد لن يرجع إليها، وإما يزداد الموج فينقلب الصندوق، وإما يرميه التيار في البحر فتأكله سمكة، وهنا نرى مدى صعوبة ما كانت أم موسى مقبلة عليه والمغامرة في أنه إما يُذبح وإما تأخذ خطوة للأمام وتتوكل على الله وترميه.

ولكي تشعر بمدى التوكل على الله قم بصنع صندوق من الخوص لتشعر وتحس بم أحست به أم موسى، من مشاعر أم ظُلمت وليس لها إلا الله وليس لها سوى هذا الطريق، فها هي تضعه في الصندوق وترميه في النيل فيجري الصندوق مع التيار، فيا ترى ماذا فعلت قبل أن ترميه؟ هل ضمته؟ هل احتضنته؟ هل قبلته؟ فلتتخيل ماذا فعلت هذه الأم المظلومة، فها هي تبكي وترفع رأسها إلى السماء وتدعو الله، لعلها قامت بالدعاء على فرعون في هذه اللحظة، فالويل لمن يَحرِمُ أمًا من أولادها، فلربما كانت استجابة الله لدعائها في هذه اللحظة هي التي أغرقت فرعون مثلما أجبرها أن لا يكون لابنها طريق سوى البحر، فلا تستهن بدعوة مظلوم خاصة لو كانت من أم حرمت من أطفالها، لعلها قالت حسبي الله ونعم الوكيل وهي ترميه وتراه يفارق أعينها، فأي درجة من التوكل تلك يا أم موسى؟ وبدأ الصندوق في التحرك، ومن ينظر إلى الصندوق يقل [...وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ...] {المدَّثر:31} فهنا بدأت رعاية الله، فقد أصدر الله أمره لجنوده، يا نيل احمل موسى، يا تيار ويا ريح رفقًا بموسى، فعندما تتوكل عليه يسخر لك كل جنوده.

وتقف أم موسى قلقة، على الرغم من توكلها على الله إلا أنها أم، [وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ] {القصص:11} "قُصِّيه" أي ابحثي عن أخيك، "فبصرت به عن جُنُب وهم لا يشعرون" أي كانت تراقبه من بعيد فلم تستطع أن تقترب منه حتى لا يراها أحد، وبقيت تمشي وسط الأحراش تراقب الصندوق وهي مندهشة ومتعجبة لأن الصندوق يمشي وكأن به دفتين يحركانه، فالله قد حدد إلى أين سيتجه، وهنا يظهر لدينا معنى اسم الله الوكيل.



موسى وبيت فرعون:

وتستمر أخته في متابعة الصندوق على الرغم من طول المسافة بين بيوت بني إسرائيل وقصر فرعون حوالي 14-20 كيلومتراً)، ويقترب الصندوق من قصر فرعون وتفزع أخته لأنهم فعلوا ذلك ليبعدوه عن فرعون ولكنه يقترب أكثر وأكثر منه حتى يصل إلى قصر فرعون، فتعود الأخت مرتبكة إلى أمها وتحكي لها ما حدث، يقول تعالى: [وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ] {القصص:10} فقد كادت أم موسى أن تذهب إلى القصر لتخبرهم أنها أمه لولا أن الله ربط على قلبها.

ويقفز الآن إلى أذهاننا سؤال: لماذا جعل الوكيل الصندوق يصل إلى هناك؟ لأن أفضل وسيلة لحماية موسى هي أن يصل إلى القصر ولكن لماذا؟ لأن سيدنا موسى سوف تكون مهمته هي إنقاذ بني إسرائيل الأذلاء من الذل، فهل يعقل أن من يحرر الأذلاء يكون ذليلًا مهانًا، أم يجب عليه أن يكون حرًا؟ بالطبع يجب عليه أن يكون شخصية حرة ولكن لم يكن في مصر حرية في ذلك الوقت ولم يكن هناك مصريون أحرار، لذا فالمكان الوحيد الذي يوجد به حرية هو بيت فرعون، وهناك أيضًا سَببٌ آخر، وهو أن بني إسرائيل محرومون من التعليم وموسى يجب أن يكون متعلمًا تعليمًا جيدًا لأن لا نهضة بدون تعليم، وأمه لا تقدر على تحمل تكلفة تعليمه، لذا فأفضل مكان يتم تعليمه فيه تعليمًا راقيًا هو بيت فرعون وهو من سينفق على تعليمه حتى يزيله موسى في النهاية، فها أنت يا فرعون تقتل كل هؤلاء الأولاد من أجل هذا الولد وها نحن قد أحضرناه لبيتك رضيع لا يملك أي قوة حتى تربيه، أرأيت قدرة الوكيل جلّ وعلا.



موسى وامرأة فرعون:

فيا أيها الناس يا من ظُلِمتم في الدنيا، يا سيدات يا من ظُلِمتن من أزواجكن أرجعوا إلى الوكيل وتوكلوا عليه حق التوكل، يقول تعالى: [فَالتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ] {القصص9:8} فلم يلتقطه فرعون بنفسه ولكن زوجته هي من التقطته، وتتجلى عظمة الوكيل سبحانه وتعالى أن يكون توقيت خروج آسيا امرأة فرعون إلى النيل هو وقت وصول الصندوق فتراه وتُخرجه، فلو كان من أخرجه هو أحد الجنود أو فرعون نفسه لتم قتله، وما أن رأته امرأة فرعون حتى أحبته فيقول تعالى: [.. وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ...] {طه:39} وقد أراد فرعون قتله ولكنها تصدت له ولكل من أراد قتله، فها هو الوكيل سبحانه وتعالى عندما أراد أن يحمي هذا الطفل الرضيع الذي لا حول له ولا قوة من سكاكين فرعون زوده بسلاح الحب، فسلاح الحب أقوى من سلاح القوة، فيا من تسبُّون الناس وتُهاجمونهم تعلموا من القرآن ومن قصص القرآن أن سلاح الحب أقوى وأنفع.

ورضخ فرعون لرغبة زوجته آسيا وهذا يُدلل على قوة المرأة المصرية على ما يبدو، ففي قصة سيدنا يوسف قالت امرأة العزيز اسجنوه فسجنوه، وها هي هنا تقول لا تقتلوه فتنفذ رغبتها ويصدر فرعون قرارًا بعدم القتل وبأنه سيكون ابنه بالتبني وسوف يُطلق عليه ابتداءً من اليوم الأمير موسى فسبحانه الوكيل.



موسى والمرضعات:

وكان الرضيع حتى هذه اللحظة صامتًا لا يبكي ولعل هذا حتى تستطيع آسيا إقناعهم بالاحتفاظ به ولكن بمجرد أن وافقوا وقبلوه بدأ في البكاء، فكم يتحمل الرضيع دون رضاعة؟ تقريبًا 24 ساعة، فها هو هنا يترك أمه عند الفجر ليعود إليها قبل العصر معززًا مكرمًا أي قبل مرور 24 ساعة.

يقول تعالى: [وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ] {القصص:12}، فها هو طابور من المرضعات المصريات حيث أنه ممنوع على أي امرأة من بني إسرائيل دخول القصر وهو يرفضهن جميعًا ولا يقبل الرضاعة منهن كأن الله أمر شفتي موسى أن لا تقبلا الرضاعة، فكأن موسى عاقلٌ وهو رضيع ينظر في وجه السيدات ويقول هذه لا ترضعني وتلك لا ترضعني فهو يبحث عن أمه.

وفي هذه اللحظة دخلت أخته وقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون؟ فمن أين يا مريم أتتك القوة لتدخلي قصر فرعون وتعبري بين الحراس وتقولين هذا الكلام؟ فنظر لها فرعون وقال: "أتعرفينه؟" قالت: "لا"، قال: "من أنت؟" قالت: "فتاة من بني إسرائيل"، فاحمر وجه فرعون غضبًا وفي نفس اللحظة زاد موسى من بكائه كأنه يساعد أخته ويسهل موقفها، وآسيا تصرخ بأن الولد سوف يموت من البكاء وأنهم يحتاجون مراضع بسرعة، فسألها فرعون: "هل لديك مرضعة؟" قالت: "نعم"، قال: "من؟" قالت: "أمي من بني إسرائيل"، فقال: "ولم تريدون أن ترضعوه؟" قالت: "نبتغي الأجر والمال ونحب فرعون"، فقال: "أحضريها" فجاءت أمه، ولنتخيل معًا لحظة دخول أمه القصر يا لها من لحظة يتجلى فيها الوكيل سبحانه وتعالى، وبمجرد أن أمسكته أمه وضمّته ولمس ثديها سكت الرضيع، فدهش كل من في القصر وقال فرعون: "من أنت؟" فقالت أم موسى: "أنا امرأة طيبة اللبن، لا يأتي صبي إلىَّ إلا قبلني ورضع مني"، فإذا بقرار من فرعون أن عينّاكِ مرضعة لابننا ولك الأجر على رضاعته، فسبحان الرزاق فقد كنت سترضعيه يا أم موسى دون أجر إن بقي معك وها أنت ترضعينه وتأخذين المال من عدوّه حتى يكبر ويقضي عليه مثلما ظلمكم، يقول تعالى: [فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ] {القصص:13}.

فلتتوكلوا على الله ولا تخافوا وكونوا مع الله ولا تبالوا فإن الله معكم.



رابط تحميل الحلقة:
http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1298.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ايمي الساحرة

مراقب عامـ
مراقب عامـ
ايمي الساحرة


عدد المساهمات : 2798
العمل/الترفيه : الغناء


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 26, 2009 9:25 pm

يسلمواااااااااااااااااااااااااااا فروح مجهود روعة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Miss Hannibal

Admin
Admin
Miss Hannibal


عدد المساهمات : 349
العمل/الترفيه : الانترنت

الموقع : خريف في قلبي

برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 28, 2009 12:59 am

موضووووووووع اكثر من راااااااااااااااااائع
جزاكي الله كل خير على المجهود الرائع
والمواضيع المميزه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 30, 2009 11:00 am

الحلقة الخامسة -في بيت فرعون -- قيمة استكمال صفات القائد



بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أهلًا ومرحبًا بكم، سنتحدث اليوم عن طفولة وشباب سيدنا موسى عليه السلام.

اختصاص ومهمة:

لماذا اختص الله سيدنا موسى بتكليمه؟؟ ولماذا سيدنا موسى بالأخص هو كليم الله؟ (... وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)(النساء: من الآية164) لم يرتق ِ أحد من البشر ويصل إلى منزلة أن يكلم الله عز وجل دون وسيط إلا سيدنا موسى عليه السلام وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في المعراج، ماذا يوجد برسالة سيدنا موسى أوصله إلى هذه المنزلة؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فجعل الناس يطوفون بالبيت يقولون ما أجمله ما أحسنه إلا موضع لبنة، فأنا موضع اللبنة ) أي أنه هو الذي أكمل هذا البناء، فما هي لبنة سيدنا موسى الذي تفرد بها على مر التاريخ؟

هو قائد صنعه الله ليقضي على الظلم ويحول أمة من مستضعفين إلى أعزة منتصرين، مهمته أصعب مهمة في التاريخ بعد مهمة النبي صلى الله عليه وسلم هي مهمة سيدنا موسى عليه السلام، فهو مطلوب منه:

1- مواجهه أكبر طاغية على مر التاريخ (فرعون) ذلك السفاح الذي قتل آلاف الأطفال، يواجهه بمفرده بلا قوة وبلا سلاح.

2- أن يدعو فرعون إلى التوحيد.

3- أن يدعو بلده كلها إلى الإيمان بالله.

4- أن يحرر بني إسرائيل من الذل الذي ملأهم.

5- أن يخرجهم من مصر (... فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائيلَ)(الأعراف: من الآية105) وذلك ليبني بهم أمة جديدة ويقوم بعمل نهضه لهذه الأمة.

ولذلك هيئته مناسبة لهذه المهمة، فهو طويل أسمر ذو شعر أجعد مفتول العضلات، ذو شخصية قوية، ولكن لماذا أصبح كليم الله؟ انتبه معي .. إن المهمة شاقة جدًا، واعلم أيضًا أنه كان مهدد بالقتل منذ كان في المهد حتى وفاته، لا يوجد أحد غيره من الأنبياء كان له هذا الحظ من التهديد بالقتل، كل الأنبياء هُددو بالقتل بالفعل وتعرضوا لمحاولات قتل، لكن سيدنا موسى الوحيد الذي كان كذلك منذ مولده وحتى وفاته، ذلك بالإضافة إلى مهمته سالفة الذكر، لذا فهو يحتاج لإعانة غير عادية حتى لا يضعف، بل يصمد ويواجه ويستمر في تحقيق مهمته تلك، هو في حاجة لدعم من الله ليعطيه قوه هائلة لمواجهة كل ذلك الظلم والبطش، ولذلك تكررت كلمة الخوف في قصة سيدنا موسى كثيرًا جدًا؛ لأنه تعرض لأهوال وفي الوقت نفسه هو بشر فلابد وأن يخاف كسائر البشر، وكأن رسالته من أجل نصرة الضعفاء والمظلومين وتوحيد الأمة على قول لا إله إلا الله ، فهي التي تحرر الأنفس الذليلة، هذا هو معنى لا إله إلا الله ، ألا تخاف من قوي ولا ذو سلطان أو أي أحد فلا إله إلا الله القوي والأقوى من أي شيء أو أحد، إذًا سيدنا موسى جاء بالتوحيد والتحرير وحرية الشعوب، وذلك يعني أن أوربا ليست أول من أتت بالحرية، بل إن سيدنا موسى وأنبياء الله هم أول من تكلم عن الحرية.

مراحل قصة سيدنا موسى:

تنقسم حياة سيدنا موسى إلى أربع مراحل، مرحلتين إعداد ومرحلتين تنفيذ.

مرحلة الإعداد الأولى: وهي منذ المولد وحتى الثلاثين من عمره ويقضيها ما بين قصر فرعون وبين بيوت بني إسرائيل، ما بين أمه وبين آسية.

· مرحلة الإعداد الثانية: وهي عبارة عن عشر سنوات يقضيها في مدين حتى يصبح في الأربعين من عمره.

· مرحلة التنفيذ الأولى: وفيها يعود إلى مصر لمواجهة فرعون، وتستمر لمدة خمسة عشر عامًا.

· مرحلة التنفيذ الثانية: وفيها يخرج من مصر، وبناء بني إسرائيل وتحريرهم من الذل الذي قضى عليهم، وتستمر لمدة عشرة أعوام وحتى الوفاة.

وهذا يعني أن سيدنا موسى توفي وهو في سن الخامسة والسبعين من عمره تقريبًا.


صناعة قائد:

عَيْنِي)(طـه: من الآية39) أي أنه سيتم إعداده على يد الله سبحان الله وتعالى.

نيل وبحر:

لسيدنا (موسى) ذكريات عديدة مع ماء النيل، فلقد رُمى في النيل، والتقط من النيل، وعاش جزء من حياته مع أمه على ضفاف النيل، وجزء آخر من حياته في قصر فرعون على ضفاف النيل أيضًا، ثم نجا من فرعون وانشق البحر وتجاوزه هو وبني إسرائيل، ثم قصته مع سيدنا (الخضر) ورحلته في الماء، كلمة (موسى) ذات نفسها في اللغة المصرية القديمة معناها المُلتَقط من الماء، (مو) هي الماء، و(سى) هي المُلتقَط، وفي كلام آخر أن (موسى) معناها ابن الماء. هناك أمر آخر.. من تعتقد أنه اسماه (موسى)؟ لا يوجد سوى ثلاث بدائل: إما (فرعون) أو أمه أو (آسيا) ، فأما فرعون فهو لم يكن يحبه، وأما أمه فلا تملك تسميته؛ لأنها أمام الجميع المرضعة، فلا يتبقى سوى (آسيا) التي قامت بتسميته بذلك الاسم وهي الوحيدة التي لها مثل هذه المقدرة.

بين حنان أميه:

أصرت أم موسى أن تربيه في بيوت بني إسرائيل على ضفاف النيل، وسط حياتهم البسيطة، ولقد حاولت معها (آسيا) امرأة فرعون كثيرًا إقناعها بتربيته في القصر، إلا أنها لم تفلح في ذلك، فقد كانت أم موسى على يقين من الله (... إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (القصص:7)، (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ... ) (القصص:13) ووافقت (آسيا) على أن يذهب (موسى) مع مرضعته التي رفض أن يرضع من سواها وذلك خوفًا من أن يموت جوعًا، مرضعته التي هي في الحقيقة أمه، ذهب سيدنا (موسى) مع أمه إلى بيوت بني إسرائيل وعاش ممرحلة الإعداد الأولى بين قصر فرعون وبيت أمه في البيوت الفقيرة لبني إسرائيل، بين ذلك القصر الفخم، وتلك البيوت الفقيرة، وذلك لينشأ ولديه الثقافتين، ثقافة الملوك وثقافة الفقراء، حتى يتمكن من التعامل مع الفئتين ، لذلك قال الله له ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عها فترة الرضاعة والفطام؛ أي عامين عاش هذين العامين بين حنان أميه، أمه الحقيقية (يوكابد) وأمه بالتبني (آسيا)، هذا الحنان الذي يعيشه سيدنا (موسى) هو أولى صفات القائد، حيث يعينه على الوقوف للصعاب وفي نفس
الوقت يكون قائد رحيم، تخيل معي بعد أن حُرمت أمه منه بقذفه في اليم، وكاد قلبها ينفطر عليه، ثم عاد إليها لتقر عينها به، تخيل مقدار الحب والحنان اللذين ستغدقهما عليه، وفي نفس الوقت حُرمت (آسيا) من الأولاد فتخيل أيضًا مقدار الحب والعطف اللذين سوف ينعم بهما منها، إن صفة الرحمة التي اكتسبها هي ما تميز القائد الحكيم، فالقائد بدون رحمة يصبح جبار مثل (هتلر) مثلًا ........



في قصر فرعون:

وهناك اكتسب (موسى) صفة جديدة من صفات القائد وهي الصفة الثانية له وتتمثل في التعليم المتميز، فهو في قصر فرعون حيث سيتعلم علوم لا يتعلمها باقي المصريين، فما بالك ببني إسرائيل، لم تكن أمه لتستطيع أن توفر له هذا القدر من التعليم، وكأن الله قد أرسله في بعثة إلى أحسن الجامعات للتعلم، شيء آخر تعلمه في قصر فرعون وهي الصفة الثالثة له كقائد وهي القوة البدنية الهائلة، فمن عادات الفراعنه تربية أولادهم على التدريبات البدنية القوية، الصفة الرابعة تعلم في قصر فرعون أن يكون ذو نفس حرة، والتي تؤهله بعد ذلك للتصدي لفرعون نفسه، نعم فرعون نفسه، حياته مع فرعون في نفس القصر في حد ذاتها أفقدته هيبة فرعون؛ فقد رآه على طبيعته، وهو جائع وهو مريض وهو يذهب ليقضي حاجته كسائر البشر، لأنه بشر عادي، فأصبح بالنسبة لـ (موسى) إنسان عادي لا يهابه .

الحقيقة الأولى:

عمره الآن سبع أو ثمانِ سنوات، تعود سيدنا (موسى) أن يزور مرضعته كثيرًا، مثلما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع مرضعته (حليمة السعدية)، في هذه المرحلة من عمره والتي بدأت فيها شخصيته بالتكون وصار من الطبيعي أن يسأل أو يسمع ويعقل الكلام الذي يسمعه قررت (آسيا) أن تخبره الحقيقة بأنه ليس ابنها وأنها قد التقطته من الماء، لأنه حتمًا سيعلم ذلك، فقد شاهد حادثة التقاطه الكثيرمن الناس، ذلك بالإضافة إلى أن فرعون لا يحبه، فكان من الطبيعي أن يسألها عن أمه من تكون؟ فأجابته بأنها لا تعلم، وفي الوقت نفسه لم تستطع أمه (يوكابد) أن تخبره بحقيقة أنها هي أمه؛ فهو لا يزال صغير وخشيت أن يكثر كلامه مثل سائر الأطفال، فظل لا يعلم لنفسه أمًا، في هذه الفترة بدأت تظهر لديه الصفة الخامسة للقائد ألا وهي الشجاعة، فقد أصبح صاحب نفس شجاعة تتحمل الصدمات، انظر معي إلى شخصيته، لديه الرحمة وفي نفس الوقت الشجاعة وعزة النفس، مما أدى إلى أن تكون نفسه نفس سوية، هذه هي صناعة الله سبحانه وتعالى.

بين قصر فرعون وبيوت بني إسرائيل:



سمحت (آسيا) لـ(موسى) بزيارة مرضعته رغم صغر سنه، وظل سيدنا (موسى) يتردد على مرضعته ويتودد إليها حتى نشأت علاقة قوية بينه وبينها، وبينه وبين إخوته هارون ومريم، وبدأ يشعر براحة في بيوت بني إسرائيل أكثر من تلك التي يشعر بها في قصر فرعون، ففرعون يكرهه ولولا (آسيا) لما ظل هناك، أراد الله له ذلك لينشأ لديه حب لبني إسرائيل وفي نفس الوقت يعتاد على حياتهم منذ صغره فلا يشعر بغربة بينهم بل يأنس إليهم، فرحت أمه (يوكابد) كثيرًا لما رأته يأنس إلي بيت أبيه وإخوته وقومه حتى وإن كان لا يزال لا يعلم أنه منهم، فأرادت أن تزيد من هذه الصلة، فشرعت تحكي له قصص عن سيدنا (يوسف) عليه السلام، وهذا ذكاء منها فقد اختارت له شخصية تاريخية ورمز تاريخي محبوب لدى الفريقين، حتى إذا ذهب إلى القصر وتحدث عن سيدنا ( يوسف) لا ينزعج منه أحد؛ فالمصريون يحبون سيدنا ( يوسف) وفي الوقت نفسه هو من بني إسرائيل، وهي تريد أن تنمي لدى سيدنا (موسى) حبه لبني إسرائيل تمهيدًا لإخباره بأنه منهم، وهنا تظهر لديه صفة جديدة من صفات القائد وهي الصفة السادسة ألا وهي القدوة والمثل الأعلى الذي يحتذي به، ثم أخبرته أن هذا القائد العظيم الذي أصبح يحبه ويراه مثلًا أعلى هو من أجدادها، فازداد تعلق سيدنا (موسى) بمرضعته وبني إسرائيل، وزاد انتمائه إليهم.

الحقيقة الثانية:

إلى أن أتى اليوم المناسب الذي تستطيع أن تأتمنه على السر فأخبرته بأنها هي أمه الحقيقية، وأنها لم يكن لديها أي وسيلة أخرى لتنجيه من موت محقق على يد فرعون سفاح الأطفال إلا بقذفه في النيل، وأن الله قذف في قلبها إيمانًا بأنه سيعود إليها ، وها هو قد عاد بالفعل، وسردت له القصة من بدايتها وحتى نهايتها، وأخبرته بأنه يجب أن يعود إلى قصر فرعون حتى لا تُقتل هي أو يُقتل هو إذا علم فرعون بحقيقة أمرهما.

المرونة والموازنة:

لم تكن أم ( موسى ) أمًا عادية بل كانت مربية ذكية، فقد غرست لديه صفة جديدة من صفات القائد، الصفة السابعة وهي المرونة والتوازن، ما رأيك أنت؟ هل يعود إلى حياته في قصر فرعون المليء بالفساد ، فهناك فرعون الذي يقول (أنا ربكم الأعلى) وكهنة وآلهه، أيعود بعد أن عرف الحقيقة وعرف أمه واستقر بين أحضانها، نعم .. أصرت أمه على عودته إلى ذلك القصر بالرغم من كل ذلك؛ فهو لا يزال بحاجة للمزيد من التعليم الذي لا يستطيع أن يحصل عليه إلا في ذلك القصر وحده فقط، وهذه الفترة هي التي أصقلت صفة المرونة والتوازن لديه، الكثير منا سوف يختارون عدم العودة لذلك القصر لما فيه من فتن ومصائب حتى ولو كان ذلك على حساب الفائدة التي يمكن أن يحصل عليها، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" المؤمن الذي يخالط الناس خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه". تعلم سيدنا موسى الموازنة بين شيء فيه المفسدة والمصلحة في نفس الوقت، ويصر على الحصول على الفائدة دون أن يتأثر بالمفسدة، لذا ظل سيدنا موسى في قصر فرعون ليستفيد من العلم المتاح لديه في القصر ويحتك أكثر بالمصريين، ليعرفونه أكثر لأنهم سيدافعون عنه فيما بعد، تواجده في القصر واحتكاكه بالمصرين بعد أن عرف حقيقته وأصله لبني إسرائيل علمه الصفة الثامنة للقائد وهي الشخصية المنفتحة، فقد عاش في البيئتين رغم اختلافهم واختلاف ثقافتهم، يستطيع الآن أن يتعامل مع برتوكولات القصر وطبيعة الحياة الملكية ويتعامل مثل الملوك والفراعنة، وفي الوقت نفسه يستطيع التعامل مع الحياة البسيطة لبني إسرائيل التعايش معها بأريحية بالغة على عكس طبيعة الملوك العاديين.



ولما بلغ أشده:

الصفة التاسعة والتي لا يصلح قائد بدونها، الهدف والرسالة، ولقد قرر أن يكون هدفه إنقاذ بني إسرائيل، الكثير منا يظن أن سيدنا (موسى) حرر بني إسرائيل لأن الله كلفه بهذا، ولكن الحقيقة هي أنه اختار ذلك بنفسه فاختبره ربه ووجده مصرًا على أن ينقذهم مما هم فيه بعد أن أحس مدى الذل الذي يعيشونه فكلفه الله بذلك وأيده.

الصفة العاشرة وهي الصحبة الصالحة والتي من دونها يضل أي قائد وأي شخصٍ ناجح، وتمثلت صحبته الصالحة في أخوه هارون الذي سوف يسانده ويقف بجانبه وينصحه إلى آخر رحلته.

إلى الآن اكتسب سيدنا (موسى ) عليه السلام عشر صفات أساسية من صفات القائد وهي:

1. الرحمة

2. التعليم المتميز

3. القوة البدنية الهائلة

4. نفس حرة

5. الشجاعة

6. القدوة والمثل الأعلى

7. المرونة والتوازن

8. الشخصية المنفتحة

9. الهدف والرسالة

10. الصحبة الصالحة

وقد لخص الله لنا كل ذلك في آية عظيمة، هي من دلالات إعجاز القرآن الكريم (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ)(القصص:14).


رابط تحميل الحلقة:
http://amrkhaled.net/multimedia/multimedia1299.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحنون

نائب المدير
نائب المدير
الحنون


عدد المساهمات : 2460

برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالجمعة يناير 01, 2010 4:56 pm

يسلموووووووووووووووا كثير على المجهود الرائع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح بغداد

مشرفه القسم الاسلامي
مشرفه القسم الاسلامي
فرح بغداد


عدد المساهمات : 963
العمل/الترفيه : مجددون باذن الله


برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالسبت يناير 02, 2010 12:24 pm


شكرا اخي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
* ايفيتا *

المدير العام
المدير العام
* ايفيتا *


عدد المساهمات : 1288

برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج   برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج - صفحة 2 I_icon_minitimeالأربعاء يناير 06, 2010 1:31 am

جزاكي الله خيراااااااااااا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
برنامج قصص القرآن للاستاذ عمرو خالد...تغطية لكافة الاجزاء...موضوع مدمج
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» مع الاستاذ عمرو خالد(اليكم كل لقاءته وصوره واخباره)
» بيان من الاستاذ عمرو خالد حول زلازل هاييتي
» تغطية كاس العالم هون وبس متجدد كل يوم
» تغطية مسلسل الغريب
» تغطية المسلسل الجديد عليا معلومات+صور

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منتدى عام :: القسم الاسلامي-
انتقل الى: